قلت: وأنشدني الشيخ أبو الحسن -رحمه الله- لنفسه بيتين بعد هذا البيت حالة قراءتي لشرحه عليه في الكرة الأخيرة التي لم نقرأ عليه بعدها:
ونحن أخذنا قصره عن شيوخنا ... بنص صحيح صح عنه فبجلا
ومن ترك المروي من بعد صحة ... فقد زل في رأي رآى متخيلا
قلت: لعل ابن مجاهد -رحمه الله- إنما نسب هذا إلى الغلط؛ لأخذه إياه عن قنبل في زمن اختلاطه مع ما رأى من ضعف هذا الحذف في العربية؛ لأنه وإن جاء نحوه ففي ضرورة شعر أو ما يجري مجرى ذلك من كلمة كثر دورها على ألسنتهم فلا يجوز القياس على ذلك، وقد صرح بتضعيف هذه القراءة جماعة من الأئمة، قال أبو علي: إن الألف حذفت من مضارع رأى في قولهم: أصاب الناس جهد ولو تر أهل مكة، فهلا جاز حذفها أيضا من الماضي، قيل: إن الحذف لا يقاس عليه لا سيما في نحو هذا إن كان على غير قياس، فإن قلتَ: فقد جاء-حاشا لله- يكون إلا فعلا؛ لأن الحرف لا يحذف منه، وقال رؤبة: "فيما وصني" قيل: إن ذلك في القلة بحيث لا يصار يسوغ القياس عليه، ومما يضعفه أن الألف ثبتت حيث تحذف الياء والواو، ألا ترى أن من قال: {إِذَا يَسْرِ} فحذف الياء في الفاصلة لم يحذف من نحو: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} ، وقال مكي: هو بعيد في القياس والنظر والاستعمال هذا مع كونه علل هذه القراءة بخمس علل كلها ضعيفة ومن أغربها أن الألف حذفت لأجل
الساكن بعد الهاء ولم يعتد بالهاء حاجزا ولو كان ذلك مسوغا هذا لكان في قراءة الجماعة أولى؛ فإنهم لم يعتدوا بالهاء حاجزا في امتناعهم في صلة هاء الكتابة؛ لأجل الساكن قبلها على ما سبق في بابه والله أعلم.
1116-
وَمَطلَعِ كَسْرُ اللامِ "رَ"حْبٌ وَحَرْفَيِ الْـ ... ـبَرِيَّة فَاهْمِزْ "آ"هِلًا "مُـ"ـتَأَهِّلا
يريد: {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} كسر لامه رحب؛ أي: واسع؛ أي: لم تضق وجوه الفربية عن توجيهه خلافا لمن استبعده ووجهه أنه قد جاء في أسماء الزمان والمكان مفعل بكسر العين فما مضارعه يفعل بضمها أسماء محصورة وهذا منها نحو المشرق والمغرب والمسجد ومنها ما جاء فيه الوجهان نحو المنسك والمسكن والمطلع وقد قرئ بهما في هذه الثلاثة فالمفتوح والمكسور المراد بهما زمن الطلوع ومنهم من جعلهما مصدرين فاحتاج إلى تقدير؛ أي: حذف مضاف إلى زمن طلوع الفجر إذا قدرنا هما اسمي زمان لم تحتج إلى هذا، والزجاج جعل المفتوح مصدرا والمكسور اسم زمان وهمز البرية هو الأصل؛ لأنها من برأ الله الخلق ومن لم يهمزها، فإما أن يكون خفف الهمز كما تقدم في النبيء وهو الأولى أو يكون مأخوذا من البرأ وهو التراب فلا همز فيه، ولكن قراءة الهمز ترد هذا الوجه قال أبو علي: البرية من برأ الله الخلق فالقياس فيه الهمز إلا أنه مما ترك همزه كقولهم النبي والذرية والخابية في أنه ترك الهمز فالهمز فيه كالرد إلى الأصل المتروك في الاستعمال كما أن من همز النبي كان كذلك وترك الهمز فيها أجود وإن كان الأصل الهمز؛ لأنه لما ترك فيه الهمز صار كرده إلى الأصول المرفوضة مثل ضننوا وما أشبه ذلك من الأصول التي لا تستعمل قال: وهمز من همز البرية يدل على فساد قول من قال إنه من البراء الذي هو التراب ألا ترى أنه لو كان كذلك لم يجز همز من همز على حال إلى على وجه الغلط كما حكوا امتلئت الحجر ونحو