قال: من شرح هذا لو قال: يقرون المقالة موضع قوله: الرواية لكان أجود؛ إذ لا رواية عنهم بذلك قد أشبعت الكلام في هذا في الشرح الكبير.
105-
وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً ... لِتَنْزِيلِهاَ بالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلا
قد سبق الكلام في مهما وأن فيها معنى الشرط فتدخل الفاء في جوابها كقوله فيما مضى: فكن عند شرطي ... وفيما يأتي: "فلا تقفن الدهر ... " وهي محذوفة في هذا البيت لضرورة الشعر، والتقدير فلست مبسملا وقيل إنما تدخل الفاء؛ لأنه خبر بمعنى النهي وهو فاسد؛ فإن الفاء لازمة في النهي فكيف الخبر الذي بمعناه، وقوله: تصلها الضمير فيه لبراءة أضمر قبل الذكر على شريطة التفسير، وبراءة مفعول بدأت، والقاعدة تقتضي حذف المفعول من الأول فلا حاجة إلى إضماره كقوله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} 1.
وقيل: براءة بدل من الضمير في تصلها بمعنى أن سورة براءة لا بسملة في أولها سواء ابتدأ بها القارئ أو وصلها بالأنفال لأن البسملة لم ترسم في أولها بخلاف غيرها من السور.
ثم بين الحكمة التي لأجلها لم تشرع في أولها البسملة فقال: "لتنزيلها بالسيف" أي ملتبسة بالسيف كنى بذلك عما اشتملت عليه السورة من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد، وفيها الآية التي يسميها المفسرون آية السيف، وهذا التعليل يروى عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعن غيره، قال القاضي أبو بكر ابن الباقلاني: وعليه الجمهور من أهل العلم، وقد زدت في الشرح الكبير هذا المعنى بسطا وتقريرا، وذكرت وجوها أخر في التعليل، ونقل الأهوازي أن بعضهم بسمل في أول براءة.
106-
وَلاَ بُدَّ مِنْهاَ في ابْتِدَائِكَ سُورَةً ... سِوَاهاَ وَفي الأَجْزَاءِ خُيِّرَ مَنْ تَلا
الضمير في منها للبسملة وفي سواها لبراءة، وسورة منصوب على إسقاط الخافض أي بسورة، وكذا قوله: "أبو بدأت براءة" أي براءة يقال بدأت بالشيء أي ابتدأت به، وأما بدأت الشيء من غير باء فمعناه فعلته ابتداء ومنه: "بدأ اللَّه الخلق"2.
وسورة نكرة في كلام موجب فلا عموم لها إلا من جهة المعنى، فكأنه قال: مهما ابتدأت سورة سوى براءة فبسمل، ولو قال ولا بد منها في ابتدا كل سورة سواها لزال هذا الإشكال.
ومعنى البيت: أن القراء كلهم اتفقوا في إبتداء السور على البسملة سواء في ذلك من بسمل منهم بين السورتين ومن لم يبسمل، ووجهه أنهم حملوا كتابة ما في المصحف على ذلك كما تكتب همزات الوصل وهي ساقطة في الدرج.
قال بعض العلماء: ولا خلاف بين القراء في البسملة أول فاتحة الكتاب سواء وصلها القارئ بسورة أخرى قبلها أو ابتدأ بها، ولم يذكر ذلك في القصيدة اعتمادا على أن الفاتحة في غالب الأحوال لا يكون القارئ لها إلا