وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "إن من بعدي أيام الصبر المتمسك فيهن بمثل ما أنتم عليه له كأجر خمسين عاملا".
وقوله: من لك بكذا جملة استفهامية تستعمل فيما يستبعد وقوعه وتقديره: من يسمح لك به.
فمعنى البيت: من يسمح لك بحصول الحالة التي هي كقبض على جمر وحصولها هو القيام فيها بحقوق الله تعالى.
وقد ذكر الشيخ الشاطبي -رحمه الله- زمان الصبر في قصيدة أخرى له فقال:
إلى الله أشكو وحدتي في مصائبي ... وهذا زمان الصبر لو كنت حازما
عليك بالاسترجاع إنك فاقد ... حياة العلى وابغ السلو منادما
أي عليك بقولك: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} 1.
على فقدك لحياة العلى، ونادم السلو عنها. فقد أيست منها.
82-
وَلَوْ أَنَّ عَيْناً سَاعَدتْ لتَوَكَّفَتْ ... سَحَائِبُهَا بِالدَّمْعِ دِيماً وَهُطّلا
أي ولو ساعدت عين صاحبها لكثر بكاؤها دائما على التقصير في الطاعة وقلة البضاعة، ومعنى توكفت قطرت وتصببت وسالت، قال الأزهري: وَكَفَ البيت وتوكف: أي هطل وقوله: سحائبها أي مدامعها على وجه الاستعارة، والديم جمع ديمة كجِيَز ولِيَن في جمع جيزة ولينة وهما الناحية والنخلة، والأكثر في جمع ديمة ديم بفتح الياء، والديمة المطر الدائم ليس بشديد الوقع، وهطلا جمع هاطلة والهطل تتابع المطر والدمع سيلانه، وديما وهطلا حالان من السحائب المتوكفة أي دائمة هاطلة فهي حقيقة بذلك ومن فسر توكفت هنا بمعنى توقعت فقد جهل معنى البيت وأخطأ اللغة وقد بينا ذلك في الشرح الكبير والله أعلم.
83-
وَلكِنَّها عَنْ قَسْوَةِ الْقَلْبِ قَحْطُهاَ ... فَيَا ضَيْعَةَ الْأَعْمَارِ تَمْشِى سَبَهْلَلا
الهاء في لكنها للعين أو هو ضمير القصة والهاء في قحطها للعين، والقحط الجدب أي لم ينقطع الدمع إلا بسبب أن القلب قاسٍ، وذلك من علامات الشقاء.
ففي جامع الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى". هذا حديث حسن صحيح.
وفي مسند البزار عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أربعة من الشقاء جمود العين وقساء القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا".
وضيعة الأعمار مفعول فعل مضمر، والمنادى محذوف: أي يا قوم احذروا ضيعة الأعمار. أو يكون ناداها على معنى التلهف والتأسف نحو: