{وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرائيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} .
فلهذا كانت في البيت منصوبة على الحكاية وفي تقدم حال المجرور عليه خلاف عند النحويين فإن كان جائزا فإعراب جمعًا وفردًا على ما ذكرناه، وإن لم يكن جائزا كان ذلك منصوبا بفعل مضمر؛ أي وخذ جمعا وفردا في لفظ -النبيء-أو دونك ذلك، ثم بين ما يفعل به، فقال: أبدل كل القراء الهمز فيه غير نافع؛ يعني أن أصل هذه اللفظة الهمز؛ لأنه من أنبأ إذا أخبر ثم فعل فيه بطريق تخفيف الهمز ما يفعله حمزة في نحو: "خَطِيئَةً"، "قُرُوءٍ"، و"لِئَلَّا" من البدل الإدغام في نبيء و"نبوة" ومن البدل في "أنبيا" أبدلت الهمزة الأولى ياء والأصل الهمز كما قال العباس بن مرداس:
يا خاتم النبئاء إنك مرسل
فلما جمعه على فعلاء ظهرت الهمزتان ولما جمع على أفعلاء أبدلت الأولى ياء لانكسار ما قبلها فعلى هذا القراءتان بمعنى واحد؛ لأن الهمز وإبداله لغتان؛ لأن لغة الإبدال هي الفصيحة الفاشية حتى أن بعض النحاة -رحمهم الله- يقول: التزمت العرب الإبدال في "النبي" و"البرية"، وقال أبو علي في الحجة: قال سيبويه: بلغنا أن قوما من أهل التحقيق يخففون "نبي" و"برية"، قال: وذلك رديء، قال: وإنما استردأه؛ لأن الغالب في استعماله التخفيف على وجه البدل من الهمز، وذلك الأصل كالمرفوض.
قلت: وقيل إن قراءة الجماعة يجوز أن تكون من نبا ينبو إذا ارتفع والنباوة الرفعة فلا يكون في الكلمة همز والأول أصح لمجيء الهمز فيه فيكون "النبيء" فعيلا بمعنى مفعول بمعنى أنه مخبر من جهة لله تعالى بما لا يخبر به غيره صلوات الله على جميع الأنبياء وسلامه.
قال أبو عبيد: الجمهور الأعظم من القراء، والعوام على إسقاط الهمز من "النبي" و"الأنبياء" والنبيين في كل القرآن وكذك أكثر العرب مع حديث رويناه مرفوعًا إن كان حفظ: حدثنا محمد بن ربيعة عن حمزة الزيات عن حمران بن أعين أن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا نبيء الله فقال: "لست بنبيء ولكني نبي الله"، قال أبو عبيد: ومعناه أنه أنكر عليه الهمز، وقال لي أبو عبيدة: العرب تترك الهمز في ثلاثة أحرف: "النبي" و"البرية" والخابية، وأصلهن جميعا الهمز، قال أبو عبيد: وفيها حرف آخر رابع: "الذرية" وهو من قوله: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} .
قلت: سأذكر إن شاء الله تعالى شرح هذه الأربعة الأحرف في شرح ما نظمته في النحو، وأما هذا الحديث الذي ذكره أبو عبيد، فقد أوله شيخنا أبو الحسن -رحمه الله- في شرحه بعد أن قال: إنه غير صحيح الإسناد، وقد أخرجه الحاكم أبو عبد الله الحافظ في كتابه المستدرك، فقال: حدثني أبو بكر أحمد بن العباس بن الإمام المقرئ حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا خلف بن هشام حدثني الكسائي حدثني حسين الجعفي عن حمزان ابن أعين عن أبي الأسود الدؤلي عن أبي ذر قال: جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكره. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
قلت: ولا يظهر لي في تأويله إلا ما قاله أبو عبيد: إنه أنكر عليه الهمز؛ لأن تخفيفه هو اللغة الفحيحة،