ابن مجاهد رحمه الله تعالى في أول كتاب السبعة له، ثم قال. والقراءة التي عليها الناس: بالمدينة. ومكة، والكوفة والبصرة، والشام هي القراءة التي تلقوها من أوليهم تلقيا، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين، اجتمعت الخاصة والعامة على قراءته، وسلكوا فيها طريقه. وتمسكوا بمذاهبه على ما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه، وزيد بن ثابت. ثم عن محمد بن المنكدر، وعروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، وعامر الشعبي -رضي الله عنهم، يعني أنهم قالوا: إن القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، فاقرءوا كما علمتموه.

قال زيد بن ثابت: القراءة سنة. قال إسماعيل القاضي رحمه الله: أحسبه، يعني هذه القراءة التي جمعت في المصحف الكريم.

وذكر عن محمد بن سيرين قال: أنبئت أن القرآن كان يعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- كل عام مرة في شهر رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين. قال ابن سيرين: فيرون أو يرجون أن تكون قراءاتنا هذه أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة.

وعنه عن عبيدة السلماني قال: القراءة التي عرضت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الذي قبض فيه هي التي يقرؤها الناس اليوم.

قلت: وهذه السنة التي أشاروا إليها هي ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-نصا، أنه قرأه أو أذن فيه على ما صح عنه أن القرآن أنزل على سبعة أحرف. فلأجل ذلك كثر الاختلاف في القراءة في زمانه بعده إلى أن كتبت المصاحف باتفاق من الصحابة -رضي الله عنهم- بالمدينة. ونفذت إلى الأمصار. وأمروا باتباعها وترك ما عداها، فأخذ الناس بها وتركوا من تلك القراءات كل ما خالفا وبقوا ما يوافقها نصا أو احتمالا، وذلك لأن المصاحف كتبت على اللفظ الذي أنزل، وهو الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-كما عرضها هو على جبريل عليهما الصلاة والسلام، وكل ذلك ثابت في الأحاديث الصحيحة مفرقا في أبوابه، قد وقف على ذلك من له بها عناية.

فمن ذلك ما في الصحيحين من رواية عائشة عن فاطمة عن أبيها صلى الله عليه وسلم: "أنه أسر إليها في مرض موته أن جبريل عليه السلام كان يعارضني بالقرآني في كل سنة مرة، وإنه عارضني به العام مرتين".

وفي صحيح البخاري من حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال: "كان يعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن كل عام مرة فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه".

وذكر المحققون من أهل العلم بالقراءة ضابطا حسنا في تمييز ما يعتمد عليه من القراءات وما يطرح، فقالوا: كل قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيها، ومجيئها على الفصيح من لغة العرب فهي قراءة صحيحة معتبرة. فإن اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنها شاذة وضعيفة. أشار إلى ذلك كلام الأئمة المتقدمين، ونص عليه أبو محمد مكي -رحمه الله تعالى- في تصنيف له مرارا، وهو الحق الذي لا محيد عنه على تفصيل فيه، قد ذكرناه في موضع غير هذا.

وقد كثرت تصانيف الأئمة في القراءات المعتبرة والشاذة، ووقع اختيار أكثرهم على الاقتصار على ذكر قراء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015