ثم قال: وأمالا عسى وبلى أما عسى ففعل تقول فيه: عسيت فالألف منقلبة عن ياء فهو داخل في ما تقدم فلم يكن له حاجة إلى إفراده بالذكر، ولكنه تبع صاحب التيسير في ذلك فإنه قال بعد أنى: وكذلك متى وبلى وعسى حيث وقع ولعله إنما أفرده بالذكر؛ لأنه لا يتصرف، وقيل إن بعض النحاة زعم أنها حرف كما أطلق الزجاجي على كان وأخواتها أنها حروف بمعنى أنها أدوات للمعاني التي اكتسبتها الجمل معها، ولما كفت بلى في الجواب ضارعت بذلك الاسم والفعل فأميلت ألفها وقيل إن ألف بلى أيضا بل للتأنيث وهو حرف لحقه ألف التأنيث كما لحقت تاء التأنيث ثم ورب، وأصلها بل فيجوز على هذا أن يقال ألف أنى كذلك وأصلها أن، ثم خرج هذان الحرفان عن معناهما المعروف بلحوق ألف التأنيث لهما إلى معنى آخر فصار أنى على وزن شتى ورسمت أنى ومتى وبلى بالياء وكذا عسى وعيسى ويحيى وموسى وإلحاق الألف في شيء من ذلك بألف التأنيث بعيد بل هي قسم برأسها، فكأنه قال أمالا ذوات الياء الأصلية وغير الأصلية مما رسمت ألفه ياء وغير الأصلية على ضربين ألف تأنيث وملحق بها، ولو قال عوض هذا البيت:
وموسى عسى عيسى ويحيى وفي متى ... وأنى للاستفهام تأتى وفي بلا
لكان أحسن وأجمع للغرض، وتبعناه في ذكر عسى، وإن كانت داخلة في قسم الياء الأصلية وخلصنا من جزرفة العبارة في قوله: وفي اسم في الاستفهام أنى، والضمير في "تأتى" للإمالة وما أبعد دعوى أن الألف في موسى وعيسى ويحيى للتأنيث فموسى وعيسى معربان ويحيى إن كان عربيا فوزنه يفعل والكلام في النبي المسمى بيحيى عليه السلام، وأما نحو قوله تعالى: {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} 1، وقوله: {وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} 2، فوزنه يفعل والله أعلم.
296-
وَمَا رَسَمُوا باليَاءِ غَيْرَ لَدى وَمَا ... زَكى وَإِلى مِنْ بَعْدُ حَتَّى وَقُلْ عَلَى
أي وأمالا كل ما رسم في المصحف بالياء من الألفات وإن لم تكن الياء أصلية إتباعا للرسم، ولأنها قد تعود إلى الياء في صورة وذلك ضحى في الأعراف وطه: "وضحاها"، "ودحيها" في والنازعات، وفي والشمس وضحيها: "وتلاها"، "وطحاها"، "والضحى"، "وسجى". فهذا جميع ما رسم من ذوات الواو بالياء على ما ذكره في قصيدته الرائية لكن: "تلاها" "وطحاها" "وسجى"، لم يملها إلا الكسائي وحده كما يأتي، وإمالتهما "ضحى" في الأعراف وطه تبنى على خلاف يأتي في آخر الباب وأما: