فليس فيه إلا مدة واحدة واحترز بقوله: مستفهما عن هذا ونحوه؛ لأن ما لفظ به في البيت يمكن قراءته باستفهام قبضًا لخبن "مفاعيلن"، ونظمت أنا بيتا نطقت فيه بما لا يحتمل غير الاستفهام وأدرجت يؤاخذ مع المجمع عليه في الاستثناء على ما ذكره الداني ولم أقيده بالضمير ليشمل المواضع كلها وأوضحت ما بعد همز الوصل بأن ذلك في حال الابتداء وصرحت بالتمثيل بـ "ايت" فقلت:
وما بعد همز الوصل بدءا كـ "ايت" معيؤاخذ زاد البعض آلان قصر لا
أي موضع الاستثناء في "آلان" قصر لفظها لامها وهو ترك المد بعد الهمزة الثانية المنقول حركتها إلى اللام، ففي البيت الذي نظمته خمسة أشياء فاتت بيت الشاطبي -رحمه الله- وهي: تصريح التمثيل بـ "ايت"، وذكر البدء، وإدراج يؤاخذ مع المستثنى المتفق عليه، وتعريته من الضمير ليعم، وبيان موضع المستثنى من الآن. ثم تمم المستثنى فقال:
175-
وَعَادًا الُاولى وَابْنُ غَلْبُونَ طَاهِرٌ ... بِقَصْرِ جَمِيعِ الْبَاب قَالَ وَقَوَّلا
لم يسمح له النظم أن يلفظ بـ "عادا الأولى" على قراءة ورش، فلفظ بها على قراءة حمزة إذا وقف عليها في بعض الوجه، وأما قراءة ورش فبإدغام التنوين في اللام بعد نقل حركة الهمزة إليها فلم يمد واو "الاولى" هنا وإن كان يمدها في: "سِيرَتَهَا الْأُولَى"1؛ لأن الحركة هنا صارت كاللازمة من أجل التنوين فيها، فكأن لا همز في الكلمة لا ظاهرا ولا مقدرا، فإن وقفت لورش على "عادا" فتلك في ابتداء "الاولى" مذهبان؛ المد إن لم تعتد بالعارض وتركه ن اعتددت بها ذكرهما المهدوي، وقوله: وابن غلبون مبتدأ وطاهر عطف بيان ميزه بذلك من أبيه؛ كل واحد منهما يقال له ابن غلبون وكلاهما من علماء القراءات المصنفين فيها، فالأب مصنف كتاب "الإرشاد" وشيخ أبي محمد مكي بن أبي طالب وهو أبو الطيب عبد المنعم بن عبد الله بن غلبون الحلبي نزيل مصر، وابنه أبو الحسن طاهر بن عبد المنعم وهو مصنف كتاب التذكرة، وشيخ صاحب التيسير، وقوله: يقصر جميع الباب متعلق بـ "قال"، وقال هو خبر المبتدأ أتى بذلك وأخذ به وعنى بجميع الباب كل ما كان حرف المد فيه بعد همز ثابت أو مغير، وقولا: عطف على قال أي وقول ورشا بذلك أي جعله هو المذهب له وما سواه غلطا ووهما قد قرر ذلك في كتاب التذكرة فأحسن، وما قال به ابن غلبون هو الحق وهو اختيار ناظم القصيدة في ما أخبرني الشيخ أبو الحسن عنه -رحمهما الله تعالى- وغلبون اسم مشتق من الغلبة وهو في الزنة كحمدون من الحمد وسعدون من السعد، واستعمله الناظم هنا غير منصرف وفي باب الهمز المفرد منصرفا والنظم يحتمل الأمرين، وقد نقل ابن برهان في شرح "اللمع" عن أبي علي أن حمدون يمتنع صرفه، ووقع في نظم المتنبي حمدون مصروفا وغير مصروف في بيت واحد فقال ابن جني في شرحه: ترك صرف حمدون ضرورة، وقد أجازه الكوفيون فدل هذا الكلام على أن رأي ابن جني فيه الصرف، فتحصلنا على وجهين في حمدون وغلبون مثله فالصرف رأي أبي الفتح وتركه رأي شيخه أبي علي -رحمه الله- والله أعلم.