سجستان، وأكثر بلاد فارس، مما شجع ابن الأشعث على مواصلة حربه وقتاله، وتخليص الكوفة والبصرة من بطش الحجاج وعتوّه، ولكن مالت كفّة النصر، وأصبحت من نصيب الحاكم الظالم الغشوم الحجاج بن يوسف الثقفي.
وانهزم ابن الأشعث هزيمة منكرة، فر على إثرها لينجو بنفسه، واستسلم الجيش المتمرّد، وأمر الحجاج بتجديد البيعة له، والانطواء تحت عباءته، فاستجاب الكثير، وفرّ البعض، وكان من أمر الذين استجابوا له واستسلموا أن خيّرهم الحجاج بين أمرين: أحلاهما مرّ، وأخفّهما تأباه النفس الأبيّة، وتلفظه الفطرة السويّة، خيّرهم الحجاج بين أن يشهدوا على أنفسهم بالكفر بنقض البيعة لوالي أمير المؤمنين، وبين أن يُقتلوا، فاختار بعضهم القتل على أن يتكلم بكلمة الكفر، وبعضهم استعمل التَّقيَّة، وأخذ بالرخصة، وشهد على نفسه بالكفر كرهاً واضطراراً (?).
ونجَّى الله سعيد بن جبير من هذه الورطة، فكان ممن فرّ واختفى عن أعين الحجاج عشر سنوات، ولكن قدر الله لابدّ نافذ، فعندما تولّى خالد بن عبد الله القسري ولاية مكة من قبل الحجاج، وكان سيّئ السيرة، فخاف أصحاب سعيد على سعيد، فألحّوا عليه بالفرار والخروج من مكة، ولكن سعيداً أبى الخروج، وقال لأصحابه: والله لقد استحييت من الله مما أفرّ، ولا مفرّ من قدر الله.