سبق في التمهيد أن ذكر الغزالي هذه المسألة، وبين أنها مبنية على مصلحة واقعة في رتبة الضرورات، حيث إن رمي الكفار وقتلهم بما يستتبع قتل أسارى المسلمين أو إصابتهم فيه نصر المسلمين وحفظ دينهم وديارهم، ونفوسهم وأموالهم وأعراضهم، وهذه من الضرورات التي اتفقت الشرائع على حفظها، وفيه أيضا تقديم المصلحة العامة للإسلام وللأمة على المصلحة الخاصة، وهي حفظ دماء المسلمين الذين تترس بهم الكفار، وهذا يتفق مع قاعدة تقديم أقوى المصلحتين عند تعارضهما، وارتكاب أدنى المفسدتين وأخفهما تفاديا لأشدهما، فكان رمي الكفار قصدا بما يستتبع قتل متترسهم من المسلمين متفقا مع مقاصد الشريعة، لكن لما تعارضت مصلحة حفظ دماء أسرى المسلمين أو من بين الكفار من المسلمين حين الحرب، ومصلحة الجهاد وما يترتب عليه من منافع، وما يترتب على تركه من مضار - كانت المسألة مثار خلاف بين الفقهاء، فرأى بعضهم قتال الكفار بما يعم كالرمي بالمنجنيق والإغراق والغازات الخانقة وأمثالها إن لم يتغلب عليهم إلا بذلك؛ رعاية للمصلحة العامة، ورأى آخرون: أنه لا يجوز رميهم بما يعم.
وفيما يلي نصوص يتبين منها خلاف الفقهاء في ذلك وما استند إليه كل منهم من دليل أو تعليل:
أ - قال السرخسي: ولا بأس بإرساله الماء إلى مدينة أهل الحرب وإحراقهم بالنار ورميهم بالمنجنيق، وإن كان فيهم أطفال أو ناس من المسلمين أسرى أو تجار.
وقال الحسن بن زياد رحمه الله: إذا علم أن