ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة، وغم عليه - جاز له أن يعتقد الصيام - ويبيته ويجزئه، وهذا باطل عن الشافعي لا أصل له عنه، بل المحفوظ عنه خلاف ذلك كمذهب الجماعة، وإنما كان قد حكي عن ابن سريج - وهو كان من أكابر أصحاب الشافعي - نسبة ذلك إليه إذ كان هو القائل بنصر مذهبه.
واحتجاج هؤلاء بحديث ابن عمر في غاية الفساد، مع أن ابن عمر هو الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب (?) » ، فكيف يكون موجب حديثه العمل بالحساب. وهؤلاء يحسبون مسيره في ذلك الشهر ولياليه. وليس لأحد منهم طريقة منضبطة أصلا، بل أية طريقة سلكوها فإن الخطأ واقع فيها أيضا، فإن الله سبحانه لم يجعل لمطلع الهلال حسابا مستقيما، بل لا يمكن أن يكون إلى معرفته طريق مطرد إلا الرؤية، وقد سلكوا طرقا كما سلك الأولون منهم من لم يضبطوا سيره إلا بالتعديل الذي يتفق الحساب على أنه غير مطرد، وإنما هو تقريب، مثل أن يقال: إن رئي صبيحة ثمان وعشرين فهو تام، وإن لم ير صبيحة ثمان وعشرين فهو ناقص. وهذا بناء على أن الاستسرار لليلتين، وليس بصحيح، بل قد يستسر ليلة تارة، وثلاث ليال أخرى.
وهذا الذي قالوه إنما هو بناء على أنه كل ليلة لا يمكث في المنزلة إلا ستة أسباع ساعة لا أقل ولا أكثر، فيغيب ليلة السابع نصف الليل ويطلع ليلة أربعة عشر من أول الليل إلى طلوع الشمس، وليلة الحادي والعشرين يطلع من نصف الليل، وليلة الثامن والعشرين إن استسر فيها نقص وإلا كمل، وهذا غالب سيره، وإلا فقد يسرع ويبطئ.