قدمناه، فإن من كتب مسير الشمس والقمر بحروف (أبجد) ونحوها، وحسب كم مضى من مسيرها، ومتى يلتقيان ليلة الاستسرار، ومتى يتقابلان ليلة الإبدار ونحو ذلك، فليس في هذا الكتاب والحساب من الفائدة إلا ضبط المواقيت التي يحتاج إليها الناس في تحديد الحوادث والأعمال، ونحو ذلك، كما فعل ذلك غيرنا من الأمم، فضبطوا مواقيتهم بالكتاب والحساب - كما يفعلونه بالجداول، أو بحروف الجمل، وكما يحسبون مسير الشمس والقمر، ويعدلون ذلك ويقومونه بالسير الأوسط، حتى يتبين لهم وقت الاستسرار والإبدار، وغير ذلك، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنا أيتها الأمة الأمية لا نكتب هذا الكتاب، ولا نحسب هذا الحساب، فعاد كلامه إلى نفي الحساب والكتاب فيما يتعلق بأيام الشهر الذي يستدل به على استسرار الهلال وطلوعه.

وقد قدمنا فيما تقدم: أن النفي وإن كان على إطلاقه يكون عاما، فإذا كان في سياق الكلام ما يبين المقصود علم به المقصود أخاص هو أم عام؟ فلما قرن ذلك بقوله: "الشهر ثلاثون" و"الشهر تسعة وعشرون" بين أن المراد به: أنا لا نحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولا حساب، إذ هو تارة كذلك، وتارة كذلك، والفارق بينهما هو الرؤية فقط، ليس بينهما فرق آخر من كتاب ولا حساب كما سنبينه، فإن أرباب الكتاب والحساب لا يقدرون على أن يضبطوا الرؤية بضبط مستمر، وإنما يقربون ذلك، فيصيبون تارة، ويخطئون أخرى) (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015