والفقهاء، فقالوا: ليس ذلك من باب الإجارة في شيء، بل هو من باب المشاركات التي مقصود كل منهما مثل مقصود صاحبه، بخلاف الإجارة، فإن هذا مقصوده العمل، وهذا مقصوده الأجرة؛ ولهذا كان الصحيح أن هذه المشاركات إذا فسدت وجب فيها نصيب المثل، لا أجرة المثل، فيجب من الربح والنماء في فاسدها نظير ما يجب في صحيحها، لا أجرة مقدرة، فإن لم يكن ربح ولا نماء لم يجب شيء، فإن أجرة المثل قد تستغرق رأس المال وأضعافه وهذا ممتنع، فإن قاعدة الشرع: أنه يجب في الفاسد من العقود نظير ما يجب في الصحيح منها، كما يجب في النكاح الفاسد مهر المثل، وهو نظير ما يجب في الصحيح، وفي البيع الفاسد إذا فات ثمن المثل، وفي الإجارة الفاسدة أجرة المثل، فكذلك يجب في المضاربة الفاسدة ربح المثل وفي المساقاة والمزارعة الفاسدة نصيب المثل، فإن الواجب في صحيحها ليس هو أجرة مسماة، فيجب في فاسدها أجرة المثل، بل هو جزء شائع من الربح، فيجب في الفاسدة نظيره.
قال شيخ الإسلام وغيره من الفقهاء: والمزارعة أحل من المؤاجرة، وأقرب إلى العدل، فإنهما يشتركان في المغرم والمغنم، بخلاف المؤاجرة فإن صاحب الأرض تسلم له الأجرة، والمستأجر قد يحصل له زرع، وقد لا يحصل، والعلماء مختلفون في جواز هذا وهذا، والصحيح جوازهما، سواء كانت الأرض إقطاعا أو غيره. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وما علمت أحدا من علماء الإسلام- من الأئمة الأربعة ولا غيرهم- قال: إجارة الإقطاع لا تجوز، ومازال المسلمون يؤجرون إقطاعاتهم قرنا بعد قرن، من زمن الصحابة إلى زمننا هذا، حتى حدث بعض أهل زمننا فابتدع القول