زاهد: هذا في العلم الحصولي. وأما في الحضوري فالعلم والمعلوم متحدان ذاتا واعتبارا ومن ظن أن التغاير بينهما في الحضوري أيضا اعتباري كتغاير المعالج والمعالج فقد اشتبه عليه التغاير الذي هو مصداق تحققهما بالتغاير الذي هو بعد تحققهما. فإنه لو كان بينهما تغاير سابق لكان العلم الحضوري صورة منتزعة من المعلوم وكان علما حصوليا.
ثم اعلم أن محل العلم الحادث سواء كان متعلقا بالكليات أو بالجزئيات عند أهل الحق غير متعين عقلا بل يجوز عندهم عقلا أن يخلقه الله تعالى في أي جوهر أراد من جواهر البدن لكن السمع دل على أنه القلب قال الله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} .
هذا وقال الحكماء: محل العلم الحادث النفس الناطقة أو المشاعر العشر الظاهرة والباطنة.
وقد اختلف المتكلمون في بقاء العلم والعقل بعد الموت في الجنة
فالأشاعرة قضوا باستحالة بقائهما كسائر الأعراض عندهم. وأما المعتزلة فقد أجمعوا على بقاء العلوم الضرورية والمكتسبة التي لا يتعلق بها التكليف.
واختلفوا في العلوم المكتسبة المكلف بها فقال الجبائي1: إنها ليست باقية وإلا لزم أن لا يكون المكلف بها حال بقائها مطيعا ولا عاصيا ولا مثابا ولا معاقبا مع تحقق التكليف وهو باطل بناء على أن لزوم الثواب أو العقاب على من كلف به. وخالفه أبو هاشم2 في ذلك وأوجب بقاء العلوم مطلقا قال شيخنا العلامة المجتهد المطلق قاضي القضاة محمد بن علي الشوكاني3 في فتاواه المسماة بالفتح الرباني: إنه وصل السؤال عن الكلام للحافظ الذهبي4 من أن علوم أهل الجنة تسلب عنهم في الجنة ولا يبقى لهم شعور بشيء منها فاقشعر جلدي عند الاطلاع على هذا الكلام من مثل الحافظ الذي أفنى عمره في خدمة الكتاب والسنة والتراجم لعلماء هذا الشأن. وقد كنت قديما وقفت على شيء من هذا لكن لفرد شاذ من أفراد الحكماء قاله لا عن دراية ولا رواية فلم أعبأ به لجهله بالكتاب والسنة فياليت شعري كيف يجري قلم أحقر عالم من علماء الشريعة بمثل هذا. وعجبت ما أدخل هذا الحافظ في مثل هذه المداخل المقفرة المكفهرة التي يتلون الخريف في شعابها وهضابها ويتحمل هذا النقل الثقيل والعبئ الجليل. والحاصل أن الطوائف الإسلامية على اختلاف مذاهبهم وتباين طرقهم متفقون على أن عقول أهل الجنة