أنهارها الصافية ما كان عن القذى طاهرا وعن الأكدار خاليا. حررته إحرازا لما تشتت من أحوال العلوم وتراجم أسمائها وسماتها وجمعته إفرازا للفنون مع بيان مباديها وأغراضها وغاياتها. مستمدا في ذلك من كتب الأئمة السادة وصحف الكبراء القادة بعد أن عرفت مجاريها وتعلمت الرمي من القوس وقد كنت باريها. لأني لما وقفت على كتاب عنوان العبر وديوان المبتدأ والخبر1 لقاضي القضاة مؤيد الدين أبي زيد عبد الرحمن ابن خلدون الأندلسي وجدت مؤلفه رحمه الله تعالى قد عقد في الكتاب الأول2 منه فصلا سادسا في العلوم وأنواعها وسائر طرقها وأنحائها وما يعرض في ذلك كله من الأحوال ثم رأيت خواجه خليفة زاده ملا كاتب الجلبي3 لخص منه تلك العلوم وأحوالها في مقدمة كتابه كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون وأضاف إليه أشياء من مفتاح السعادة4 لأبي الخير ثم اطلعت على كتاب مدينة العلوم للأرنيقي5 تلميذ قاضي زاده موسى بن محمود الرومي شارح جغميني6 وفيه بيان أنواع العلوم وتراجم بعض علماء الفنون ثم عثرت على كتاب كشاف اصطلاحات الفنون للشيخ الفاضل محمد علي بن علي التهانوي الهندي وقد ذكر فيه أنواعا من العلوم المتداولة وطرقا من الفنون المتناولة.
ورأيت المترفين قد عجزت هممهم عن معرفة هذه العلوم والفنون ووجدت العلماء قد قنعوا بالطل من الوابل الهتون فكل واحدة من هاتين القبيلتين في غنى عن جباتها وقصور عن بلوغ غايتها إلا ما شاء الله تعالى من شواذ القبائل وأفراد الإنسان.
موضوع الكتاب الأول7 تاريخ أحوال العالم. وموضوع الكتاب الثاني8 جمع أسامي الكتب التي صفنها بنو آدم. فالأول ليس فيه ما خلا ذكر تلك العلوم في فصول خاصة إلا أحوال العمران وأمم الإنسان ووقائع الدهور والأزمان. والثاني9 ليس فيه ما عدا تراجم تلك العلوم والخطب إلا الكشف عن أسامي الكتب. والثالث مقتصر على ذكر أنواع العلوم وتراجم المصنفين فيها. والرابع10 مختص بذكر اصطلاحاتها المتداولة في كتب الفنون.