بمحض الرأي المنهي عنه.).

قال رحمه الله: (وبهذا تعرف أنه لا بد من الجمع بين الأمرين وعدم الاقتصار على مسلك أحد الفريقين، وهذا هو المقصد الذي وطنت نفسي عليه، والمسلك الذي عزمت على سلوكه إن شاء الله).

التعليق: ما ذكره الإمام الشوكاني هنا لا إشكال فيه، وما سلكه في تفسيره هو المسلك الذي عليه الغالبية العظمى من كتب التفسير، فالتفاسير التي جعلها بعض المتأخرين من تفاسير الرواية لم تخل من الدراية، وما جعلوه من تفاسير الدراية لا يمكن أن تستقل عن الرواية – إلا بعض تفاسير المبتدعة التي قامت على الظنون والأوهام والأهواء، وضّل أصحابها عن سواء السبيل، مثل بعض تفاسير الصوفية الموغلة في الإشارة، وتفاسير الرافضة، والباطنية ومن سلك طريقهم من أهل الضلال-.

والتفسير المشهور الذي عُرف باقتصاره على أحد النوعين السابقين هو تفسير الدر المنثور للسيوطي رحمه الله، حيث اقتصر فيه على ذكر ما نقل في التفسير من الأحاديث وأقوال السلف من الصحابة والتابعين، ولم يدخل فيه أقوال أهل اللغة والتفسير من المتأخرين. وقد اعتمد عليه الشوكاني اعتماداً كلياً في قسم الرواية، مع بعض الإضافات التي زادها، وهي قليلة جداً. قال رحمه الله: (واعلم أن تفسير السيوطي المسمى بالدر المنثور قد اشتمل على غالب ما في تفاسير السلف من التفاسير المرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وتفاسير الصحابة ومن بعدهم وما فاته إلا القليل النادر.

وقد اشتمل هذا التفسير [أي: فتح القدير] على جميع ما تدعو إليه الحاجة منه مما يتعلق بالتفسير، مع اختصار لما تكرر لفظا واتحد معنى بقولي: ومثله أو نحوه. وضممت إلى ذلك فوائد لم يشتمل عليها وجدتها في غيره من تفاسير علماء الرواية، أو من الفوائد التي لاحت لي من تصحيح أو تحسين أو تضعيف أو تعقب أو جمع أو ترجيح.)

والجديد في الجمع بين النوعين عند الإمام الشوكاني هو الطريقة التي سلكها في تفسيره، وهي تمييزه للنوعين عن بعضهما، وفصله لكل منها عن الآخر، حيث يبدأ بالتفسير بالدراية للمقطع المراد تفسيره، فيفسره تفسيراً تحليلياً يعتمد فيه على ما ذكره أئمة التفسير قبله في بيان معنى الآية، وأكثره مأخوذ من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، مع زيادات من تفاسير أخرى.

فإذا انتهى من التفسير بهذه الطريقة التي تقوم على التحليل والدراية – كما تسمى – يبدأ في ذكر الأحاديث والآثار المروية في تفسير هذا المقطع، وهذا النوع ينقله من الدر المأثور للسيوطي مع شيئ يسير من الاختصار والإضافة.

وهذه الطريقة المبتكرة التي سلكها الشوكاني لها محاسن وعيوب، ومن محاسنها:

سهولة الرجوع لكل نوع لمن أراد أن يقتصر عليه.

يمكن الاستفادة منها في بعض التطبيقات التعليمية عند تدريس التفسير، وذلك بالنظر في النوعين، وعمل مقارنة بينهما من عدة جهات. ولذلك فإن هذا الكتاب من الكتب المناسبة في التدريس، وهذا هو الواقع، فهو المقرر في مادة التفسير في عدد من الكليات الشرعية.

وأما عيوب هذه الطريقة، فمنها:

أنها قد توهم الناظر فيها بأن هذين النوعين متغايران ومفصولان عن بعضهما. مع أنهما متداخلان ولا ينفك أحدهما عن الآخر. [ينظر هذا الموضع ففيه فوائد وتنبيهات مهمة تتعلق بهذه المسألة ما الفرق بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي؟ ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=52)]

أن هذا الفصلَ جعل المفسر يترك ذكر أسباب النزول عند التفسير بالدراية، لأنها ستذكر في قسم الرواية، وكذلك أقوال السلف التي لها أهمية في إيضاح المعنى، وهذا له تأثير سلبي في فهم المعنى، ويفقد التفسير الكثير من الأقوال المهمة والجديرة بالذكر، خاصة أن الكثير ممن يقرأون في هذا الكتاب يقتصرون على قسم الدراية، وخاصة عند دراسته كمقرر.

ومن العيوب كذلك أن هذه الطريقة جعلت المؤلف يترك التعليق على كثير من الآثار التي تأتي في قسم الرواية، وهي بحاجة إلى تعليق وإيضاح، وسبب ذلك أن المؤلف قد أفرغ وسعه في قسم الدراية، وكذلك ظنه أن ما سبق يكفي ويغني عن التعليق على الآثار.

والعيب الأشد في نظري هو تقديم الدراية على الرواية، مما جعل المؤلف يكثر من الإحالات على المتأخر بقوله: سيأتي، وسيأتي. ولو أنه قدم الروايات لأراح واستراح، ولقدم ما ينبغي تقديمه. فالأصل أن المتأخر يعتمد على من قبله، وأن الكثير من التفسير إنما يعتمد على الرواية، وما ثبت عن الصحابة والتابعين؛ فهم أعلم الناس بالتفسير. فكيف تقدم أقوال من بعدهم على أقوالهم؟!

ولذلك؛ أقترح أن يقوم أحد الباحثين المتخصصين بتقريب لهذا التفسير، وتهذيب له بحيث يجعل قسم الرواية سابقاً لقسم الدراية. مع أمور أخرى تحتاج إلى تهذيب واختصار وتنبيه. والله أعلم.

هذا كلام محقق وجميل تُشكر عليه أبا مجاهد

ولي بعض الوقفات سأذكرها لاحقاً إن شاء الله تعالى

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[10 Feb 2010, 01:42 ص]ـ

ولذلك؛ أقترح أن يقوم أحد الباحثين المتخصصين بتقريب لهذا التفسير، وتهذيب له بحيث يجعل قسم الرواية سابقاً لقسم الدراية. مع أمور أخرى تحتاج إلى تهذيب واختصار وتنبيه. والله أعلم.

لقد قمت بعمل قريب مما اقترحته ولكنه مختص بآيات الأحكام تحت عنوان:

"الإحكام في تقريب آيات الأحكام من تفسير الإمام الشوكاني" قطعت فيه شوطا كبيرا ولكني لم أكمله لأنه عمل يحتاج إلى جهد وعزيمة ووقت.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015