وقد وصف محمد كامل حسين هذا النوع من التفسير بأنه " بدعة حمقاء " بل جعل هذا الوصف وسما لفصل هو " التفسير العلمي بدعة حمقاء " وقال عنه مرة أخرى بأنه " التفسير الحرباوي " إِشارة إِلى تغيره بتغير العلوم كما تغير الحرباء جلدها.

بل قسا وبالغ فجعله دليلا على ضعف إِيمان الذاهبين إِليه والقائلين به حين قال:

" .. والذين يفسرون الآيات الكونية تفسيرًا علميًّا يدلون بذلك على ضعف إِيمانهم ولو كانوا مؤمنين حقًّا ما كانت بهم حاجة إِلى شيء من ذلك يقوي به إِيمانهم فليس مقصودًا بالآيات الكونية غير الوعظ والتفسير الحق الذي هو يقربها من أذهاننا تقريبًا يؤدي إِلى الموعظة والعبرة وكل تعمق في تصويرها تصويرًا واقعيًّا هو بدعة حمقاء " [21].

أدلة المعارضين وأسباب المعارضة:

يقدم المعارضون بعض الاستدلالات، ويوردون بعض التخوفات والاعتراضات لمنع هذا النوع من التفسير، يمكن جمع أظهرها وأشهرها بالآتي:

أولا: إِن للتفسير شروطًا وقيودًا وضوابط يسير عليها قررها العلماء ينبغي لمن يتصدى لتفسير القرآن الكريم أن يكون قد عرفها وأحاط بها ليأتي الأمور من أبوابها. فلا يكون القرآن الكريم حمى مباحًا لكل من حصّل علمًا وحفظ شيئًا فنسي أنه قد غابت عنه أشياء.

ومن شروط ذلك: التمكن من العربية فتفسر ألفاظ القرآن الكريم بما تدل عليه لغة العرب، دون تزيّد في تحميل الألفاظ ما لا تحتمله فيستنبط منها ما لا تدل عليه ولا ترشد إِليه فللألفاظ معانيها المحددة ودلالاتها الخاصة التي وضعت لها وهذا يمنع التوسع العجيب في فهم ألفاظ القرآن وجعلها تدل على معانٍ وإِطلاقات لم تعرف لها ولم تستعمل فيها. أو إِن كانت تلك الألفاظ قد استعملت في شيء منها فباصطلاح حادث في الملة بعد نزول القرآن بأجيال [22]

ثم إِن هذا التفصيل العلمي المستقى من العلوم في عهودها المتأخرة هل هو من مدلولات ألفاظ الآيات أو لا؟

إِن كان من مدلولات ألفاظ الآيات فكيف لم يفهمه العرب الخُلَّصُ الذين نزل عليهم وبلغتهم. وإِن كانوا فهموه فلماذا لم تقم نهضتهم العلمية التجريبية على هذه الآيات الشارحة والمفصلة لهذه الحقائق والنظريات العلمية المفهمة لدقائقها.

وإِن كانت لم تفهم منها ولم تدل عليها ولم يدركها أصحاب اللغة الخلص في زمن نزولها - كما واقع الحال - فكيف تكون هي معاني القرآن المرادة له والمقصودة منه؟! وكيف يصح تفسيره بها.

وأين بلاغة القرآن حينئذ والبلاغة كما يقولون: هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال [23]

" والقرآن الكريم قد نزل بلسان العرب على قوم يفهمونه وأمر الله نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بشرحه وتبيانه والنظريات الحديثة لم تكن معلومة ولا مكشوفة ولا يصح

لمسلم مهما حسنت نيته أن يدعي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يعرف جميع ما تضمنته آيات القرآن " [24]

وليس فيما ورد عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا فيما ورد عن أصحابه ما يؤيد هذا الاتجاه أو يدل عليه [25]

ثانيًا: إِن القرآن الكريم إِنما هو كتاب هداية للبشرية كما قال جل وعلا:

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [26]

وليس بكتاب تفصيل لنظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف من فلك وطب وهندسة وخلافها وأن تطلّب تفصيل ذلك في القرآن الكريم إِنما هو سوء فهم لطبيعة هذا القرآن ووظيفته.

" فلا حاجة بالقرآن الكريم إِلى مثل هذا الادعاء لأنه كتاب عقيدة يخاطب الضمير وخير ما يطلب من كتاب العقيدة في مجال العلم أن يحث على التفكير ولا يتضمن حكمًا من الأحكام يشل حركة العقل أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم ما استطاع حيثما استطاع. وكل ذلك مكفول للمسلم في كتابه كما لم يكفل قط في كتاب من كتب الأديان " [27]

ثالثًا: إِن هذا اللون من التفسير يعرِّض القرآن للدوران مع أنواع المعارف ونظريات العلوم وهي أمور لا يقر للكثير منها قرار فقد يهدم العلم في الغد ما يراه اليوم من المسلمات فالعلوم الإِنسانية تتجدد مع الزمن على ما هو مقتضى سنة التقدم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015