من أجل مسألته)، ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها بينت لكم حينئذ لاحتياجكم إليها (عفا الله عنها) أي: ما لم يذكره في كتابه فهو مما عفا عنه فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها وفي الصحيح عن رسول الله ? أنه قال: (ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم)، وفي الحديث الصحيح أيضا: (إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها) اهـ.

5 - حَذْفُ كثيرٍ من الفوائد واللطائف التي يتميز بها تفسير ابن كثير على غيره من كتب التفسير، وهذه الفوائد مما قد تختلف وجهات النظر في حذفها وإبقائها حسب أهميتها وتفرُّد المصنف بالتنبيه عليها، فمن ذلك:

أ- في تفسير قوله تعالى: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ) الآية 29 من سورة الدخان ذكر ابن كثير كلامًا حسنا في بطلان ما يروى من الأوهام والخرافات وقتَ مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما؛ فقال بعد ذكر بعض الروايات في هذا: وفي كلِّ ذلك نظر، والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم .. الخ، وقد حَذفه المختصرون.

ب- في تفسير قوله تعالى: (إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) الآية 11 من سورة التحريم، ذكر ابن كثير كلامًا حسنًا في أهمية الجار قبل الدار قد لا يوجد عند غيره من المفسرين، وقد حَذفه المختصرون.

ت- في تفسير قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) حذفوا قول ابن كثير: وقد حَكَى الرازي في تفسيره عن بعضهم: أن مقام العبودية أشرف من مقام الرسالة؛ لكون العبادة تصدر من الخلق إلى الحق، والرسالة من الحق إلى الخلق، قال: ولأن الله يتولى مصالح عبده، والرسول يتولى مصالح أمته، وهذا القول خطأ، والتوجيه أيضا ضعيف لا حاصل له، ولم يتعرض له الرازي بتضعيف ولا رد.

ث- في تفسير قوله تعالى: (وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) من الآية31 من سورة الأحقاف حذفوا كلاما حسنًا لابن كثير في دخول مؤمني الجنِّ الْجَنَّةَ، ولو ذكروه مختصرا كان أولى، ونصُّه: وقد استدل بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين لا يدخلون الجنة وإنما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار يوم القيامة ولهذا قالوا: هذا في هذا المقام وهو مقام تبجح ومبالغة فلو كان لهم جزاء على الإيمان أعلى من هذا لأوشك أن يذكروه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي قال حدثت عن جرير عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يدخل مؤمنوا الجن الجنة لأنهم من ذرية إبليس، ولا تدخل ذرية إبليس الجنة.

والحقُّ أن مؤمنيهم كمؤمني الإنس يدخلون الجنة كما هو مذهب جماعة من السلف، وقد استدل بعضهم لهذا بقوله عز وجل: (لم يطمثهن أنس قبلهم ولا جان) وفي هذا الاستدلال نظر، وأحسن منه قوله جل وعلا: (ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان) فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة، وقد قابلت الجن هذه الآية بالشكر القولي أبلغ من الإنس فقالوا: (ولا بشيء من آلائك ربنا نكذب فلك الحمد)، فلم يكن تعالى ليمتن عليهم بجزاء لا يحصل لهم، وأيضا فإنه إذا كان يجازي كافرهم بالنار وهو مقام عدل فلأن يجازي مؤمنهم بالجنة وهو مقام فضل بطريق الأولى والأحرى. ومما يدل أيضا على ذلك: عموم قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا)، وما أشبه ذلك من الآيات، وقد أفردت هذه المسألة في جزء على حدة ولله الحمد والمنة.

وهذه الجنة لا يزال فيها فضل حتى ينشيء الله تعالى لها خلقا أفلا يسكنها من آمن به وعمل له صالحا. وما ذكروه ههنا من الجزاء على الإيمان من تكفير الذنوب والإجارة من العذاب الأليم هو يستلزم دخول الجنة؛ لأنه ليس في الآخرة إلا الجنة أو النار، فمن أجير من النار دخل الجنة لا محالة، ولم يرد معنا نص صريح ولا ظاهر عن الشارع أن مؤمني الجن لا يدخلون الجنة وإن أجيروا من النار، ولو صح لقلنا به والله أعلم. وهذا نوح عليه الصلاة والسلام يقول لقومه: (يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى) ولا خلاف أن مؤمني قومه في الجنة فكذلك هؤلاء، وقد حُكي فيهم أقوال غريبة .. الخ.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015