قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الأعراف/187]. ولما سأل أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة, متى الساعة؟ قال: "وماذا أعددت لها؟ " (1) , فلم يقل في يوم كذا، وكذا. فالله تعالى قد أخفى عنا الساعة، إلا أنا نعلم أنها تأتي بغتة، وأنها مجهولة الموعد، وأنها شديدة الوقع. فالساعة يخاف منها المؤمنون، لتعظيمهم لله سبحانه وتعالى قال عز وجل: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ. يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) [الشورى/17، 18]. والساعة كما سبق، لا تأتي إلا بغتة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا، فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ، وَلَا يَطْوِيَانِهِ. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ، فَلَا يَطْعَمُهُ. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ، وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ، فَلَا يَسْقِي فِيهِ. وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ، وَقَدْ رَفَعَ أَحَدُكُمْ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا" (2). فأمرها يقع فجأة، وسرعة. وقد جاء في صحيح البخاري، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ. قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ. قَالَ: ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ، لَيْسَ مِنْ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (3). فابن آدم يتحلل، ويفنى، ويعود تراباً، ولا يبقى منه إلا عجب الذنب؛ وهو العصعص, فيحفظ الله تعالى في هذا المتبقي منه، الصفات الوراثية التي منه يركب الخلق.

وقوله تعالى: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) هذا بيان وتوضيح, أي: أن يوم الفصل هو يوم ينفخ في الصور, وأتى بصيغة الفعل الذي لم يُسمَّ فاعله، لتفخيمه وتعظيمه. و (الصُّورِ): هو البوق الذي ينفخ فيه إسرافيل، عليه السلام، النفخة الأولى، التي يكون بها الصعق، والنفخة الثانية، التي يكون بها النشر. وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "كَيْفَ أَنْعَمُ! وَقَدْ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ، وَأَصْغَى سَمْعَهُ، يَنْظُرُ مَتَى يُؤْمَرُ" (1) أي: كيف أتنعم، وأهنأ بالعيش، وصاحب القرن، إسرافيل عليه السلام، قد التقم قرنه، أي: وضعه في فيه، استعداداً للنفخ، ينتظر أن يؤمر. فالذي يذكر هذا، لا يطيب له عيش, لأنه يخشى موعود الله عز وجل.

ففي قوله تعالى: (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) مشهد مهيب، رهيب, فإن البعث أمره عجيب: كل من دب على وجه الأرض، ثم مات، وتحلل فيها، يجمع الله خلقه يوم القيامة, فيُبعث الناس حفاةً، عراةً، غرلاً، بهماً، ويقومون لرب العالمين، يساقون على هيئة أفواج؛ زمراً زمراً! وتخيل هذا الحشد العظيم؛ من لدن آدم، عليه السلام، طوله ستون ذراعاً في السماء, ثم لم يزل الخلق ينقص بعد ذلك، إلى أن آل إلى ما نحن عليه، ولا ندرى إلى ما يؤول أيضاً بعدنا، في موكبٍ واحد، على صعيد واحد، على تفاوت أحجامه، وأطواله، وألوانه! وقوله تعالى: (أَفْوَاجًا) أي: فوجاً إثر فوج، والفوج: هم الجماعة من الناس. وقارن بين تلك الصورة التي ذكرها سابقاً، من حال الدنيا واستقرارها، بقوله: (وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا) وهذا الانقلاب الكوني الهائل.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015