وقد بين الدكتور منير أن الإبدال والتوحيد والتكافؤ والنيابة في عمل الاستعارة، والتشبيه البليغ، والتشبيه، والمجاز المرسل، آليات تجعل من المجاز نموذجاً لتفكيك الواقع المألوف للوعي وإعادة تركيبه من جديد وفقاً لمنطق آخر، وهذا المنطق هو منطق الرؤية التي تنجز عبر حيوية تنويعاتها، هدفين أصليين: هما خلق العوالم المحتملة، ورؤية ما ليس مرئياً في وقائع الأشياء والوجود، وقد يحقق المجاز بوصفه رؤيا هدفاً ثالثاً هو التنبؤ بالآتي أو المصير.

واستكمالاً لرسم ملامح خطة دراسة النص القرآني، فقد عالج الدكتور منير العديد من الصور والآيات القرآنية التي جاءت لتعبر عن اللامكان أو اللامُتَعين في الواقع الملموس، والذي أطلق عليه في دراسته النصية "صورة اليوتوبيا". فقد عالج باحثنا صورة اليوتوبيا هذه من خلال الواقع والفعل، أما فيما يتعلق بالواقع فقد بين أن صورة اليوتوبيا هي "معراج هذا الواقع مما يعني تخطيه مجال ضرورته إلى مجال إمكانه حيث يحدث أن تقع الرؤيا –كما في رحلة المعراج- موقع الحقيقة من جهة، وترتبط بالداخلي والخارجي قدر ارتباطا بالخارج والمتعدد من جهة أخرى. والواقع –كما يبينه الباحث- هو الحاصل والحادث الذي يتألف من انتظام الوقائع التي ينطوي عليها في علاقات وأنماط تاريخية، وإن الاستثناء والقصدية هما محور خلق اليوتوييا من المنظور القرآني، مما يعمل على الكشف عن جوهر الطبيعة الإنسانية المتشكلة بما هي توجيه للتاريخ، وهي مكان لمعجزة الكلمة الأصلية التي يتّحد فيها العقل والخيال، لاستعادة التضامّ الآسر بين أجزاء الصورة الواحدة.

وفي معالجة باحثنا لفعل اليوتوبيا فقد أفصح عن أن اليأس من الواقع لن يجدينا شيئاً ما لم يكن قرين الأمل في اليوتوبيا التي تعني معراج ذلك الواقع إلى أفق اتصاله بالله.

فاليوتوبيا إذاً هي انفراج الحقيقة عن وجوهها مجتمعة في نظام ينطوي على حيوية تفاعلاته المستمرة (الضرورة، والحرية، والتنوع، والوحدة، والتفرد، والصياغة الكلية)، إنها بذل الطاقة وفق إيقاع مستمر تنطوي على قصدية الأمل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) (المائدة: 35).

أما فيما يخص موضوع التناصّ فقد عرفه صاحب النص القرآني بأنه "مظهر التشابه الذي يحتفظ بالاختلاف رحماً لتعديل المعنى وزيادته"، وقد ذكر باحثنا أن التناصّ في الأفكار والرؤى بين النص القرآني وغيره من النصوص يعكس شيئين اثنين:

أولهما: وقوع بعض التأملات الكبرى للإنسان موقع الحقيقة التي يصورها الله سبحانه وتعالى ويدل عليها في كلامه.

ثانيهما: توارد القيم الأساسية نفسها وتواترها في النصوص الدينية المنزلة بلغات مختلفة.

ولما كانت فكرة التناصّ تقوم على الأفكار المحورية وظاهرة التوازي بين النصوص الدينية المختلفة فقد أشار الكاتب إلى المغزى الأساس الذي اكتنف هذه النصوص، مبيناً بعد ذلك ميزة النص القرآني وقراءته. فقد ذكر أن التفاعل المزدوج بين النص القرآني من ناحية والنصين الإنجيلي والتوراتي من ناحية ثانية ثم بين النص القرآني مرة أخرى وبين سائر النصوص الإنسانية الرفيعة؛ إنما يكشف عن البنية العميقة الواحدة للفطرة الإنسانية المعبرة عن الحقائق الكبرى والمصورة لها.

ولعل الحديث النبوي المشهور "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" دليل على صدق النتيجة التي توصل إليها الباحث.

أما عن الأمثلة التطبيقية التي ساقها المؤلف لبيان الأفكار المحورية وظاهرة توازيها التي احتوتها سائر النصوص الدينية فإننا نوجزها فيما يأتي:

1 - أن أفراد الجنس البشري يشتركون في مجموعة أفكار محورية تجعل استجابتهم للوجود متماثلة بصورة نسبية، فثمة وحدة نفسية للشعوب.

2 - المادة البدئية الواحدة للحياة على اختلاف أنواع الأحياء هي الماء.

3 - التأصيل الإلهي في الذات الإنسانية وانطواء هذه الذات على نفخة من روح المطلق.

4 - "الحياة وراء الحياة" أو "امتداد حياة الإنسان فيما بعد الموت وانفتاحها على المثوبة أو العقاب".

5 - عجز الشر عن الاستمرار.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015