قال تعالى: (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) التغابن

والسر في كتابة الهمزة على الوصل؛ أي على الواو هو أن الكلمة كانت صورة لواقع النبأ.

فالأنباء على نوعين: منها ما توقف تداوله بين الناس، وانتهى أمره إلى النسيان عند الكل أو عند طائفة منهم، ونوع من الأنباء استمر تناقله بين الناس فاستمر العلم به.

والسؤال عن النبأ هو سؤال عن نبأ استمر بين الناس وتواصلت المعرفة به، والسؤال له أو لهم بصيغة المخاطب؛ هل وصل النبأ أم لم يصل؟

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (9) إبراهيم؟،

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ (5) التغابن؟

(وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُا الْخَصْمِ (21) ص؟.

أو يكون الحديث عن نبأ أعرضوا عنه بعد وصولهم إليه؛ (قُلْ هُوَ نَبَؤٌا عَظِيمٌ (67) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) ص.

ففي هذه الأمثلة كتبت نبأ على أصل الوصل للدلالة على أن النبأ استمر وتواصل واشتهر وتناقله الناس.

وأما الأمثلة التي كتبت فيها كلمة النبأ على أصل الوقف، فقد كان الحديث فيها عن نبأ لم يصل القوم والمطلوب تبليغهم هذا النبأ وتوصيله إليهم كمثل؛

قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) الشعراء وهي منصوبة.

وقال تعالى: (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70) التوبة

وأما هذا الذي في سورة التوبة (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فهو استفهام عن إتيان نبأ لغائب وليس لمخاطب كما في الأمثلة الأولى؛ ففيه تعجب لبيان شدة قبح إعراضهم وكفرهم، وكأن نبأ الذين من قبلهم لم يصلهم فلم يتعظوا مما حل بهم ... فكتبت الهمزة على الوقف عليها، وكان ما قبلها مفتوحًا فكانت الألف صورة لها.

وهذا غير الذي ذكر في آيات إبراهيم والتغابن وص؛ فالاستفهام فيها كان موجهًا لمخاطب قد سمع نبأ هلاك السابقين، ويقر بوصوله إليه، ولم يكن الاستفهام لطلب العلم من قبلهم.

الهمزة الثامنة: همزة جَزَاؤُا

كتبت "جَزَاؤُا" على الوصل لا الوقف في أربعة مواضع، وكلها كانت في العقاب، ولم تأت على الوصل في الجزاء الحسن مع أنه مستمر لئلا يفهم من كتابتها على الوصل أن غيرها ينقطع.

أما في العذاب فمنه ما يستمر، ومنه ما لا يستمر وينقطع؛

قال تعالى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاؤُا الظَّالِمِينَ (29) المائدة

احتكم ابنا آدم عليه السلام إلى الله تعالى بتقديم كل منهما قربانًا، لم يقبل أحدهما بحكم الله فقتل أخاه، فكان جزاؤه جزاء دائمًا ومستمرًا لا يرفع عنه فكتبت على الوصل لا الوقف.

وقال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) المائدة.

من حارب الله ورسوله فلا بد من أن يعاقب بإحدى العقوبات التي ذكرت في الآية؛ وأعلاها القتل، وأدناها النفي من الأرض، فلا يتركون دون عقاب؛ فالجزاء يطلبهم ويلاحقهم؛ فكتبت الهمزة على الاستمرار لا القطع.

وقال تعالى: (فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاؤُا الظَّالِمِينَ (17) الحشر

الحديث عن اثنين أحدهما الشيطان، وجزاء الشيطان في النار جزاء مستمرًا لا يرد ولا ينقطع، وضم مع الشيطان من كفر، في حديث واحد، مما يدل على أنه جزاء لهما لا انقطاع له ولا تحول، فكتبت لذلك الهمزة على الوصل والاستمرار لا الوقف والانقطاع.

وقال تعالى: (وجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) الشورى

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015