وفي ذلك يقول "ابن المجاور" في مؤلفه (تاريخ المستبصر) قائلا: "ذي جبلة من مخلاف جعفر، وجبلة كان رجلا يهوديا يبيع الفخار في الموضع الذي بنيت فيه دار العز، وبه سميت المدينة، وأول من اختط ذي جبلة "عبد الله بن محمد الصليحي" " ... وهي مدينة بين نهرين جاريين في الصيف والشتاء" ويستطرد "اين المجاور" عند الحديث عن صفة بناء ذي جبلة فيقول: "بنى بذاك الصليحي في مخلاف جعفر وحدودها بالطبول من نقيل صيد إلى مصابح، وبالعرض من سوق وصفات على حصن الطريمة إلى ذي الأسود من حدود مخلاف حب. وتسمى قلعة النهرين لأن جبل التعكر ما بين أيمن البلد وشماله ومجمع النهرين في آخر البلد عن موضع يقال له وادي ميتم، كما قال "المازني" في بعض قصائده؛ حيث يقول:

ما مصر ما بغداد ما طبرية ـــــ كمدينة قد حازها النهران

حدود لها شأم وحب مشرق ـــــ وكذلك تعكرها المنيف ماني

هناك نقش معيني (جلاسر 1155) أثار ضجة بين الدارسين واختلفوا في تقدير زمنه. وكان ذلك النقش يتحدث عن غارة سبئيين وخولانيين على قافلة معينية في موضع بين معين ورجمة التي يعتقد أنها مدينة نجران نفسها. ويذكر حربا كانت دائرة وقتها بين مذي وبين مصر في وسط مصر.

واختلف الباحثون في تعيين زمن وقوع الحرب، كما اختلفوا في تثبيت هوية المتحاربين.

فذهب كثيرون، ومنهم صاحب النقسش "جلاسر"، إلى البحث عن معارك وحروب في مصر _ وادي النيل. ولم يثر الشك لديهم في أن مصر المقصودة هنا تقع في اليمن قرب سبأ ومعين، أن موقع المعركة يمكن أن يكون داخل اليمن، وضمن نزاعات الممالك القديمة المسلحة التي كانت تعصف بالبلاد. فبمطلق الأحوال، "معين" صاحبة حضارة شهيرة، ولا داع لذكرها. في حين أن "رجمة" هي برجام: بكسر الباء الموحدة، يسمى اليوم رجام: بكسر الراء، وهي من أودية السر ذات أعناب كثيرة وتنمو فيها شجر القات، وهكذا فمن المحتمل أن يكون وادي السر هو المقصود بـ "ااشور / ااشر"، التي وردت في بداية النقش.

أما الحرب بين مذي ومصر في وسط مصر، فقد تكون حربا قامت بين (مذي اليمانية) و (مصر اليمانية)، فقد أشارت "مذي" المذكورة في النقش إلى موقع ما هو "ميدي"، ضمن المناطق السهلية، وميدي مركز القضاء ومدينة شهيرة على البحر الأحمر، ومن الموانئ التي تستقبل السفن الشراعية للاستيراد والتصدير، وتقه بالقرب من أقصى الحدود الشمالية لليمن، وتتبع إداريا لواء حجة، كما أن ميدي تعتبر عاصمة لقضاء ميدي، إحدى أقضية هذا اللواء قضاء" ميدي على العموم منطقة تهامية.

أما عن مصر، فربما يكون المقصود بها منطقة السحول التي يطلق عليها مثر اليمن. كما سنرى بعد قليل علاوة على ذلك لدينا العديد من النقوش التي انفردت بذكر اسم "مصر" وقد ورد هذا الاسم (مصر) في مجموعة النقوش المسندية المنشورة في كتاب "مطهر الإرياني" الموسوم (في تاريخ اليمن: نقوش مسندية وتعليقات) وقد وردت في المسند رقم (5): ملك سبأ / وذريدن / وكل / مصر / ... مصر / يدع إل / ملك حضرموت ... وكل / مصر .. .

وفي المسند رقم (21) على هذا النحو:

... بعلى / مصر / حضرموت ... .

ويشير نقش (جام 612) إلى حرب شنها الملك عل حضرموت، وهو نقش قصير تركه لنا أحمد ينعم بن نشاي مقتوي الملك بمناسبة عودته من تلك الحرب التي رافق فيها الاقبال والحبشة بأرض حضرموت (س 8_ 10)، وقتل خلالها رجلين كما يقول (ك 12)؛ حيث يقول أحد أصحاب ذلك النقش، واسمه كرب عثت أراد، إنه هرج رجلا وأخذ فرسه خلال اشتراكه في الحرب التي شنها الملك على "مصر" حضرموت.

ولكن؛ ماذا يعني اسم مصر في النقوش اليمنية؟

هذا ما أجاب عليه الأستاذ "حمزة علي لقمان" في كتابه (معارك حاسمة في تاريخ اليمن) بأن اسم مصر في النقوش اليمنية، يعني القلعة، وهو المعنى نفسه تقريبا في المعجم العربي

بالنظر إلى الخارطة اليمانية الجغرافية، يجد الباحث العديد من المواقع والمستوطنات التي تحمل اسم مصر، ومنها "منطقة السحول" التي طالما ذكرها لسان اليمن "الهمداني" على أنها "مصر اليمن" فماذا قصد بمنطقة السحول أو مخلاف السحول؟ مخلاف السحول ذكرها "الهمداني" في كتابه (الإكليل) ـ الجزء الثامن، و (صفة جزيرة العرب) قائلا: ويتصل بمخلاف (خولان) مخلاف (آل ذي جرة) ... ومخلاف ذي جرة وخولان يسمى (خزانة اليمن) وذمار ورعين والسحول مصر اليمن.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015