سنة الوفاة (هجري) : 510
الكَلْوَذَاني (432 - 510 هـ = 1041 - 1116 م) جاء في الأعلام للزركلي: محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذاني، أبو الخطاب: إمام الحنبلية في عصره. أصله من كلواذى (من ضواحي بغداد) ومولده ووفاته ببغداد. من كتبه «التمهيد - خ» في أصول الفقه، و «الانتصار في المسائل الكبار - خ» و «رؤوس المسائل» و «الهداية - خ» [ثم طُبع] فقه و «التهذيب - خ» في شستربتي (3778) فرائض، و «عقيدة أهل الأثر - ط» منظومة صغيرة. وله اشتغال بالأدب، ونظم وجاء في ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب: محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذَاني، أَبُو الخطاب البغدادي الفقيه. أحد أئمة المذهب وأعيانه: وُلد في ثاني شوال سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة. وسمع الحديث من الجوهري والعُشَاري، وأبي علي الجازري، والمباركي، وأبي الفضل بن الكوفي، والقاضي أبي يعلى، وأبي جعفر بن المسلمة، وأبي الحسين بن المهتدي، وغيرهم. وكتب بخطه كثيرا من مسموعاته. ودرس الفقه على القاضي أبي يعلى، ولزمَهُ حتى برع في المذهب والخلاف. وقرأ عليه بعض مصنفاته. وقرأ الفرائض على أبي عبد الله الوني، وبرع فيها أيضا. وصار إمام وقته، وفريد عصره في الفقه. ودرَّس وأفتى، وقَصَده الطلبة. وصنف كتبا حسانا في المذهب والأصول والخلاف. وانتُفع بها بحسن قصده. فمن تصانيفه: «الهداية» في الفقه، «والخلاف الكبير» المسمى «بالانتصار في المسائل الكبار»، و «الخلاف الصغير» المسمى بـ «رؤوس المسائل». ونقل عن صاحب المحرر أبي البركات بن تيمية: أنه كان يشير إلى أن ما ذكره أَبُو الخطَّاب في «رؤوس المسائل» هو ظاهر المذهب. وله أيضا كتاب «التهذيب» في الفرائض، و «التمهيد» في أصول الفقه، وكتاب «العبادات الخمس»، و «مناسك الحج». وكانت له يَد حسنة في الأدب. ويَقُول الشعر اللطيف. وله قصيدة دالية في السنة معروفة، ومقطعات عديدة من الشعر. وكان حسن الأخلاق، ظريفا، مليح النادرة، سريع الجواب، حاد الخاطر. وكان مع ذلك كامل الدين، غزير العقل، جميل السيرة، مرضي الفعال، محمود الطريقة. شهد عند قاضي القضاة أبي عبد الله بن الدامغاني. وَحَدَّث بالكثير من مسموعاته على صدق واستقامة. روى عنه ابن ناصر وأَبُو النعم الأنصاري، وأَبُو طالب بن خضير، وسعد الله بن الدجاجي، ووفاء بن الأسعد التركي، وأَبُو الفتح بن شاتيل، وغيرهم. وروى عند ابن كليب بالإجازة. وقرأ عليه الفقه جماعة من أئمة المذهب منهم عبد الوهاب بن حمزة، وأَبُو بَكْرٍ الدينوري، والشيخ عبد القادر الجيلي الزاهد، وغيرهم. قال أَبُو بَكْرِ بن النقور: كان الكيا الهراسي إذا رأى الشيخ أبا الخطاب مقبلا قَالَ: قد جاء الفقْه. قال السلفي: أَبُو الخطاب من أئمة أصحاب أحمد، يُفتي على مذهبه ويناظر. وكان عدلا رضيا ثقة. عنده كتاب «الجليس والأنيس» للقاضي أبي الفرج الجريري عن الجازري عنه. وكان ينفرد به ولم يتفق لي سماعه. وندمت بعد خروجي من بغداد على فواته. وكذلك أثنى ابن ناصر على أبي الخطاب ثناء كثيرا. وذكر ابن السمعاني: أن أبا الخطاب جاءته فتوى في بيتين من شعر، وهما: قُلْ للإمام أبي الخطَّاب مسألة ... جاءتْ إليكَ، ومَا يُرجى سِوَاك لَهَا ماذا على رَجُلٍ رَام الصلاة فمُذْ ... لاَحَتْ لِناظرِه ذاتُ الجمَال لَهَا. فكتب عليها أَبُو الخطاب: قُل للأديب الذي وافى بمسألةٍ ... سَرَّتْ فؤاديَ لمَّا أن أصَخْتُ لَها إنَّ الذي فَتنتهُ عَنْ عبادته ... خَرِيدةٌ ذاتُ حُسْن فانثنى ولها إنْ تابَ ثمَّ قضَى عنه عبادتَه ... فرَحمَةُ الله تغشى من عَصَى ولها توفي رحمه الله في آخر يوم الأربعاء ثالث عشرين جُمادى الآخرة سنة عشر وخمسمائة، وتُرك يوم الخميس، وصُلي عليه يوم الجمعة في جامع القصر. ودُفن إلى جانب قبر الإمام أحمد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. كذلك حرَّر وفاتَه القاضي أَبُو بَكْرِ بن عبد الباقي. وكذا ذكره ابن شافع. وذكر ابن الجوزي: أنه توفي سحر يوم الخميس. ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة. وذكر ابن شافع: أن أبا الحسن بن الفاعوس الزاهد صلَّى عليه إماما. وحضر الجمعُ العظيم والجندُ الكثير. ودُفن بين يدي صف الإمام أحمد، بجنب أبي محمد التميمي. رحمه الله تعالى. قرأتُ بخط أبي العباس بن تيمية في تعاليقِه القديمة: رئي الإمام أَبُو الخطاب في المنام، فقيل له: مَا فَعل الله بك. فأنشد: أتيتُ ربي بمثل هذا ... فقال: ذا المذْهبُ الرشيدُ محفوظُ نَمْ في الجنان، حتى ... ينقلكَ السائقُ الشهيدُ. . . كان أَبُو الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقيها عظيما كثير التحقيق، وله من التحقيق والتدقيق الحسن في مسائل الفقه وأصوله شيء كثير جدا. وله مسائل ينفرد بها عن الأصحاب. فما تفرد به قوله: إن للعصر سنة راتبة قبلها أربع ركعات. وقوله: إن الكفار لا يملكون أموال المسلمين بالقهر، وإنها ترد إلى من أخذت منه من المسلمين على كل حال، ولو قسمت في المغنم أو أسلم الكافر وهي في يده. ومن ذلك قوله: إن الأضحية يزول الملك فيها بمجرد الإيجاب، فلا يملك صاحبها إبدالها بحال. ومن ذلك ما ذكره في الهداية: أن الزرافة حَرَام. وقال السامري: هو سهو منه. ومن ذلك: قوله بطهارة الأدهان المنجسة، التي يمكن غَسلها بالغسل. ومن ذلك قوله: إن من ملك أختين: لم يجز له الإقدام على وطء واحدة منهما حتى تحرم الأخرى عليه، بإزالة ملكه عنها أو عن بعضها، كما لو كان قد وطىء إحداهما، ثم أراد وطء الأخرى. وقد رأيتُ في كلام الإمام أحمد في رواية إسحاق بن هانىء ما يدل على مثل ذلك. ونصه مذكور في مسائل ابن هانىء في كتاب الجهاد. ومن ذلك قوله: إن النكاح لا ينفسخ بسبي واحدٍ من الزوجين بحال، سواء سُييَا معا أو سُبِيَ أحدهما وحده. وقد حكى بن المنذر الإجماع على انفساخ نكاح المسيبة وحدها إذا كان زوجها في دار الحرب. وحكاه غير واحدٍ من أصحابنا أيضا كابن عقيل. وهو ظاهر القرآن. وحديثُ أبي سعيد في صحيح مسلم صريحٌ في ذلك. والعجب أنه ذكر في الانتصار: أن حديث أبي سعيد لا يصح. قَالَ: والدليل على ضعفه أن سبايا أوطَاسٍ كُنَّ مجُوسيات. وهذا مما يعلم بطلانه قطعا فإن العرب لم يكونوا مجوسا. وقد نسب إلى أبي الخطَّاب التفرد بتخريج رواية: بأن الترتيب لا يشترط في الوضوء، وليس كذلك فقد وافقه على هذا التخريج ابن عقيل، واتفقا على تخريجها من رواية سقوط الترتيب بين المضمضة والاستنشاق، وسائر أعضاء الوضوء. وذكر أَبُو الخطاب في كتاب الصيام من الهداية، رواية عن أحمد: أن من دخل في حج تطوع، ثم أفسده: لم يلزمه قضاؤه. ولم يذكر ذلك في كتاب الحج، ولا في غير الهداية. قال أَبُو البركات بن تيمية: ولعله سها في ذلك، وانتقل ذهنه من مسألة الفوات إلى مسألة الإفساد. وذكر في الانتصار رواية عن أحمد: أن صلاة الفرض تقضى عن الميت كالنذر. . .