لَمَّا جعله إمامًا للناس يُقتدى به قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}، أخبره الله تعالى أن فيهم عاصيًا وظالمًا لا يستحق الإمامة فقال: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة: 124] (?)، فإذا أردنا أن يعيننا الله في إقامة الإمامة الكبرى، فلنستعِن بالله على أنفسنا؛ لنستأهل إمامة القدوة والتأسِّي.

ورأس الأمر في إمامة الأسوة: أن ندعو الناس بأفعالنا قبل أقوالنا. يقول عبد الواحد بن زياد: «ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ؛ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم عنه» (?)، ولما نبذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتَمَه الذهبي، نبذ الناس خواتمهم (فدل ذلك على أن الفعل أبلغ من القول) (?).

إن صاحب الأسوة الحسنة يترك كثيرًا من المباح، احتياطًا لأمر دينه، وبعدًا عن الشبهات (?)، ويبتعد عن مواطن سوء الظنِّ؛ لأنها تُنفِّر الناس من الاقتداء به (وهذا متأكد في حق العلماء، ومن يُقتدى به، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلًا يوجب سوء الظنِّ بهم، وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم) (?)، كما قال ابن حجر.

وإن الرجل القدوة لأشدُّ على أعداء الله من كل عُدَّة، ولذلك لَمَّا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015