يختلف المسلمون فيه، فأمر عثمان رضي الله عنه بجمع القرآن في مصحف إمام، وأن تنسخ منه مصاحف يبعث بها إلى أقطار الإسلام، وأن يحرق الناس كل ما عداها ولا يعتمدوا شيئا سواها، كما سيأتيك في باب جمع القرآن وتدوينه إن شاء الله تعالى. وبهذا العمل العظيم وضع عثمان- رضي الله عنه- الأساس لما نسميه علم (رسم القرآن أو علم الرّسم العثماني).

ولكن هذه الهمّة في النشر يصح أن نعتبرها كتمهيد لتدوينها. وكان على رأس من ضرب بسهم وافر في هذه الرواية: الخلفاء الأربعة، وابن عباس، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، وكلهم من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وكان على رأس التابعين في تلك الرواية:

مجاهد، وعطاء، وعكرمة، وقتادة، والحسن البصري، ومالك بن أنس من تابعي التابعين رضي الله عنهم أجمعين.

وهؤلاء جميعا يعتبرون أنهم هم واضعوا الأساس لما يسمى علم التفسير، وعلم أسباب النزول، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم غريب القرآن، ونحو ذلك. وستجد بسطا لهذا الإجمال في بابه إن شاء الله تعالى.

ثم جاء عصر التدوين: فألّفت كتب في أنواع علوم القرآن. واتجهت الهمم قبل كل شيء إلى التفسير باعتباره أصل العلوم القرآنية لما فيه من التعرض لها. ومن أوائل الذين كتبوا في التفسير: شعبة بن الحجاج، ووكيع بن الجراح، وسفيان بن عيينة، وتفاسيرهم جامعة لأقوال الصحابة والتابعين، وهؤلاء من علماء القرن الثاني الهجري، ثم تلاهم ابن جرير الطبري المتوفى سنة (310 هـ) وكتابه من أجلّ التفاسير وأعظمها.

أما علوم القرآن الأخرى ففي مقدمة المؤلفين فيها: علي بن المديني شيخ الإمام البخاري إذ أنه ألّف في أسباب النزول، وأبو عبيد القاسم بن سلام إذ كتب في الناسخ والمنسوخ، وكلاهما من علماء القرن الثالث الهجري.

وفي مقدمة من ألف في غريب القرآن: أبو بكر السجستاني، وهو من علماء القرن الرابع الهجري. وفي طليعة من صنف في إعراب القرآن علي بن سعيد الحوفي،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015