نفح العبير (صفحة 36)

ولكن يفسدها ما يزين لها شياطين الإنس والجن بما يوحي بعضهم إلى بعض من الباطل) اهـ.

وقال الحافظ ابن رجب في «شرح الأربعين» على حديث أبي ذر القدسي: وقوله: «كلكم ضال إلا من هديته» قد ظن بعضهم أنه معارض لحديث عياض بن حمار .. «خلقت عبادي حنفاء» وفي رواية «حنفاء مسلمين». وليس كذلك فإن الله خلق بني آدم وفطرهم على قبول الإسلام والميل إليه دون غيره، والتهيؤ لذلك، والاستعداد له بالقوة، لكن لابد للعبد من تعليم الإسلام بالفعل، فإنه قبل التعليم جاهل لا يعلم شيئًا، كما قال - عز وجل -: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78]. وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7]. والمراد وجدك غير عالم بما علَّمك من الكتاب والحكمة كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: 52]. فالإنسان يولد مفطورًا على قبول الحق، فإن هداه الله سبب له من يعلمه الهدى فصار مهتديًا بالفعل بعد أن كان مهتديًا بالقوة، وإن خذله الله قيَّض له من يعلمه ما يغيِّر فطرته كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه وينصرانه ويمجسانه».

قلت: لا شك أن الله خلق الخلق وفطرهم على الإسلام، فإن سلمت هذه الفطرة واتصلت بها الهداية التي بعث الله بها رسله كتبت للعبد السعادة وهو الذي أصابه النور في حديث عبد الله بن عمرو المتقدم، وإن انحرفت الفطرة بفعل شياطين الجن والإنس، كان الضلال والشقاوة وهو الذي أخطأه النور في الحديث المتقدم، والتغى حكم الفطرة لأن الأعمال بالخواتيم، هذا ما تيسر جمعه، والله المسئول أن يختم لنا بخاتمة السعادة، وأن يدخلنا دار الكرامة بمنِّه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015