نفح العبير (صفحة 220)

ولا سفر أيضًا، فإنه لو كان جمعه لسفر لجمع في الطريق، ولجمع بمكة كما كان يقصر بها، ولجمع لما خرج من مكة إلى منى وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ولم يجمع بمنى قبل التعريف ولا جمع بها بعد التعريف أيام منى، بل يصلي كل صلاة ركعتين غير المغرب، ويصليها في وقتها، ولا جمعه أيضًا كان للنُسُك، فإنه لو كان كذلك لجمع من حين أحرم، فإنه من حينئذٍ صار محرمًا، فعلم أن جمعه المتواتر بعرفة ومزدلفة لم يكن لمطر ولا خوف ولا لخصوص النسك ولا لمجرد السفر، فهكذا جمعه في المدينة الذي رواه ابن عباس، وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن أمته، فإذا احتاجوا إلى الجمع جمعوا.

وقال - رحمه الله - يرد على من زعم أن جمعه بالمدينة، كان صوريًا، قال (24/ 54): ومراعاة هذا من أصعب الأشياء وأشقها، فإنه يريد أن يبتدئ فيها إذا بقي من الوقت مقدار أربع ركعات أو ثلاث من المغرب، ويريد مع ذلك ألا يطيلها، وإن كان بنية الإطالة تشرع في الوقت الذي يحتمل ذلك، وإذا دخل في الصلاة ثم بدا له أن يطيلها أو ينتظر أحدًا ليحصل الركوع والجماعة لم يشرع ذلك ويجتهد في أن يسلم قبل خروج الوقت، ومعلوم أن مراعاة هذا من أصعب الأشياء علمًا وعملًا، وهو يشغل قلب المصلي عن مقصود الصلاة والجمع شرع رخصة ودفعًا للحرج عن الأمة، فكيف لا يشرع إلا مع حرج شديد ومع ما ينقض مقصود الصلاة، فعلم أنه كان - صلى الله عليه وسلم - إذا أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، يفعل ذلك على الوجه الذي يحصل به التيسير ورفع الحرج له ولأمته ولا يلتزم أنه لا يسلم من الأولى إلا قبل خروج وقتها الخاص، وكيف يعلم ذلك المصلي في الصلاة وأخر وقت الظهر وأول وقت العصر إنما يعرف على سبيل التحديد بالظل، والمصلي في الصلاة لا يمكنه معرفة الظل! ولم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015