فديت حبيباً قد خلى عنه ناظري ... ولم يخل منه في فؤادي موضع

مقيم بأكناف الغضا وهي مهجة ... وإلا بوادي المنحنى وهو أضلع

أطال حجاز الصد بيني وبينه ... فمقلته الحورا ودمعي ينبع

لئن عرضت من دون رؤيته الفلا ... فيا رب روض ضمنا فيه مجمع

محلٌ يرى فيه جوامع لذة ... بها تخطب الأطيار والقضب تركع

قرأنا به نحو الهنا فملابس ... تجر وأيد بالمدامة ترفع

وقد أمنتنا دولة شادوية ... فما نختشي اللأوا ولا نتخشع

مدائحها تمحو الأثلام ورفدها ... يعوض من وفر الغنى ما نضيع

رعى الله أيام المؤيد إننا ... وجدنا بها أهل المقاصد قد رعوا

مليك له في الجود صنع تأنقت ... معاينه حتى خلته يتصنع

وعلياء لو أنا وضعنا حديثها ... وجدنا سناها فوق ما كان يوضع

مذال الغنى لو حاولت يد سارق ... خزائنه ما كان في الشرع يقطع

أرانا طباق المال والمجد في الورى ... فذلك مبذول وهذا ممنع

وجانس ما بين القراءة والقرى ... فللجود منه والإجادة موضع

توقد ذهناً واستفاض مكارماً ... فاعلم أن الشهب بالغيب تهمع

وصان فجاج الملك عدلا وهيبة ... فلا جانب إلا من الروض مرتع

عزائم وضاح المحامد أروع ... إذا قيل وضاح المحامد أروع

تفرق أحمال النضار يمينه ... لما راح بالسمر الطوال يجمع

ولا عيب في أخلاقه غير أنه ... إذا عذلوه في الندى ليس يسمع

له كل يوم في السيادة والعلى ... أحاديث تملي المحادين فتبدع

إذا دعت الحرب العوان حسامهُ ... جلا أفقها والرمح للسن يقرع

وإن مشت الآمال نحو جنابه ... رأت جود كفه لها كيف يهرع

فلا تفتخر من نيل مصر أصابع ... فما النيل إلا من يمينك إصبع

أيا ملكا لما دعته ضراعتي ... تيقنت أن الدهر لي سوف يضرع

قصدتك ظمآناً فجدت بزاخر ... أشق كما قد قيل فيه وأذرع

وفي بعض ما أسديت قنع وإنما ... فتى كنت مرمى ظنه ليس يقنع

لك الله ما أزكى وأشرف همة ... وأحسن في العلياء ما تتنوع

مديحك فرض لازم لي دينه ... ومدح بني العليا سواك تطوع

شعر

يقول جامع هذا المجموع: لقد خرجت عن الاختصار في شعر هذا الرجل، لغرابة أسلوبه ورقة ألفاظه، ولولا خوف الاطالة لأثبت له أكثر من ذلك. فلله دره! ما أرق معانيه. وأثبت مبانيه، وأبين فصوله. هو والله السهل الممتنع، والعذب الزلال والسحر الحلال.

شعر

السيد عبد الغفار الأخرس

هو السيد عبد الغفار بن السيد الواحد بن السيد وهب ولد بالموصل سنة 1220 وتوفي سنة 1290 ألف ومائتين وتعسين بالبصرة رحمه الله وشعره في غاية الرقة والانسجام، حسن الديباجة بديع النظام، ترتاح الأرواح لسماع رقائق شعره وتحسد اللالي جواهر نثره وكان حسن العقيدة سلفي الأثر علوي النسب المفتخر.

فمن قوله يمدح صاحب المجد الأثيل والجاه العرض الطويل عبد الغني أفندي جميل:

ألا من لأجفان أرقن رواء ... وحر القلوب يا هذيم ظماء

صواد إلى برد الثغور التي بها ... إذا كان دائي كان ثم دوائي

وصحب أحالوا الوصل هجراً وأعقبوا ... تدانيهم في صدهم بجفاء

نأوا فحنيني لا يزال إليهم ... ويا ويح دان لا يحن لناء

أجيراننا لما جفوتم وبنتم ... ولم تمنحونا مرة بلقاء

عرفت بعهد الود في الحب غدركم ... وأنتم عرفتم في الغرام وفائي

وجدت بروحي ذمة وبخلتم ... كذلك إشفاقي وحسن بلائي

وفيكم ومنكم قبلها وعليكم ... نبذت كلام العلذلين ورائي

حلال لكم دم مني طله الهوى ... ولا صانه قومي إذاً بفدائي

أعيدوا علينا ساعة الوصل إنها ... لأقصى مرامي منكم ومنائي

صدودكم أوهى قواي وهجركم ... فجودوا على مضناكم بشفاء

فإن لم تعودوني ولو بخيالكم ... فلا تطمعوا من بعدها ببقائي

أحبتنا لم تنصفونا بحبكم ... وما هكذا لو تنصفون جزائي

ذكرناكم والدمع ماء نريقه ... فشبناه في ذكراكم بدماء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015