هو أبو سعيد الحسن أبي حسن البصري من التابعين، ولد بالمدينة، لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن أبي الخطاب رضي الله عنه، وأمه اسمها خيرة، وكانت موالاة لأم سلمى زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت تعطيه ثديها إذا اشتغلت أمه عنه، فدر ثديها له باللبن، فأظهر الله تعالى بركة ذلك اللبن عليه، وأبوه مولى لامرأة من الأنصار. وكان أحسن الناس لفظاً، وأبلغهم عظاً، وكان زاهداً عالماً مقدماً في العلم والدين وعلى نظرائه من التابعين، وكان الحجاج له معظماًُ ومتعجباً من فصاحته، ولم ينفك عن مجلسي وعظ، وتدريس علم أن مات رحمة الله تعالى.

قال أبو عمر وبن العلا: وما رأيت قط أو عظ ولا افصح من الحسن البصري.

قال أبو أيوب السختياني: ما سمع أحد كلام الحسن إلا ثقل عليه كلام الرجل. وقال الشعبي: ما رأيت مثل الحسن بين العلماء إلا مثل الفرس العربي بين المقارف، وما شهدما مشهداً إلا برز علينا بعلمه وفضله.

وقال الله، وقلنا موافقة للموالاة.

وكان يقول: جدود هذه النفوس، فإنها سريعة الدثور، واقرعوها فأنها طامحا، وإنكم إن لم تقرعوها تنزع بكم إلى شر غاية. قال الشعبي: قدمنا إلى الحجاج في البصرة في جماعة من قراء الشام والعراق، في يوم طائف شديد الحر، وهو في أخر ثلاث أبيات، وقد أرسل فيه الثلج، والحجاج قاعد على سريره، وعنبسة بن سعيد إلى جنبه، ودخل الحسن أخر من دخل فقال الحجاج: مرحباً بأبي سعيد، وطاطاً له رأسه وإعظاماً وتلطفاً به. حتى جلس وجاءت جارية بدهن ما شممت مثل رائحته، فوضعته على رأس الحسن وحده فقال له الحجاج: يا أبا سعيد، مالي أراك منهوك الجسم؟ لعل ذلك من قال نفقة أو سوء ولاية، ألا نأمر لك بنفقة توسع بها على نفسك، وخادم لطيف يخدمك فقال الحسن: أني من الله لفي سعة ونعمة وعافية ولكن الكبر والحر، فأقبل الحجاج على عنبسه فقال: لا والله بل العلم بالله والزهد في ما نحن فيه. فلم يسمعها الحسن وسمعتها أنا القربي بن عنبسة، وجعل الحجاج يسأله حتى ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فنال منه الحجاج، ونلنا منه مرضاة له وفرقاً من شره، والحسن عاض على إبهامه فقال الحجاج: مالي أراك ساكتاً يا أبا سعيد فقاتل: وما عسى أن أقول. قال: أخبرنا برأيك في أبي تراب قال: إن سمعت اله عز وجل يقول: (وما جعلنا القبلة التي أنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبته وإن كانت الكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤوف رحيم) .

فعلي ممن هدى الله، ومن أهل الأيمان، وأبن عمي النبي صلى الله عليه وسلم وختنه على ابنته، أحب الناس إليه، وصاحب سوابق مباركات، لا تستطيع أنت ولا من حضر أن يحظرها عليه، ولا يحول بيني وبينا فتغير وجه الحجاج وقال منغضباً على سريره ودخل بيتاً خلفه، وخرجنا فأخذت بيد الحسن فقلت: يا أبا سعيد، أغضبت الأمير وأوغرت صدره فقال: إليك عني يا عامر، ألست شيطاناً من الشياطين إذا توافقه على رأيه؟ ألا صدقت إذاً سئلت، أو سكت فسلمت. فقلت: قلتها والله وأنا أعلم بما فيه. قال الحسن: ذلك أشد في الحجة عليك، وأعظم للتبعة. فلم نمكث إلا قليل حتى خرجت التحف والطرف من الحجاج للحسن، واستخف بنا الحجاج، فكان أهلاً لما اتى إليه، وكنا أهلاً لما أتى إلينا. توفي رحمه الله سنة عشر ومائة، وله تسعون سنة مات في رجب ليلة الجمعة قال عبد لواحد بن زايد: رأيت ليلة مات الحسن رحمه الله في المنام، كأن أبواب السماء مفتحة، كأن الملائكة صفوف، فقلت: إن هذا الأمر عظيم فقال لي قائلاً: إن الحسن البصري قد قدم على الله وهو عنه راضي، وسمع بعض أصحابه في منامه ليلة مات كأنه منادياً ينادي في السماء يقول (إن الله اصطفى أدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) واصطفى الحسن على أهل زمانه رحمه الله ورضي الله عنه وأرضاه.

ترجمة الشعبي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015