وبالتالي كتب كتابه ((السياسة الشرعية)) ليحدد به طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويتركز كتابه على آيتين من سورة النساء قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا} {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}.

ارتكازا على هاتين الآيتين قام منهج ابن تيمية في الإصلاح الإداري.

3 - يرى ابن تيمية –رحمه الله- أن الآية الأولى تخص الحاكم، والثانية تخص المحكوم، والعملية تبادلية، يحصل فيها الحاكم على الطاعة، مقابل أن يقوم بأداء الأمانة وأن يحكم بالعدل، فأداء الحاكم للأمانة يستوجب على الأمة طاعته، والطاعة الممنوحة له تستوجب أن يكون عدلا.

مسئولية الحاكم تتمثل في أمرين:

أ- أداء الأمانة ب- الحكم بالعدل

وأداء الأمانة في نظر ابن تيمية-رحمه الله- تنقسم إلى قسمين:

أ- أداء الأمانة في الولايات ب- أداء الأمانة في الأموال

4 - فيما يتعلق بأداء الأمانة في الولايات ((سياسات التوظيف)) فيقول: إن أسس اختيار الولاة هي:

أ- استعمال الأصلح ب- اختيار الأمثل فالأمثل

ج- أسس الصلاحية د- معرفة الأصلح

ويقول: إن ضابط الإسلام الأول في اختيار الولاة أن يتم ذلك وفق القاعدة العامة، وهي اختيار الأصلح فالأصلح، لا لقربة ولا لمكانة اجتماعية ولا لأي عنصر آخر لا يقره الإسلام.

وقد اكتشف ابن تيمية –رحمه الله- هذا المبدأ المهم، قبل علماء الغرب الذين يتفاخرون بأنهم اكتشفوا مبدأ نظام الجدارة (وهو توظيف الشخص الأجدر)، بدلا من النظام السائد عندهم وهو نظام الغنائم [وهو توزيع الوالي أو الحاكم للمناصب على رجال حزبه المؤيدين له].

نظام الجدارة بلوره ابن تيمية من خلال استيعابه لمنهج الإسلام الصحيح. ثم يحدد أسس الصلاحية بمعيارين أساسيين هما:

أ- القوة ب- الأمانة

مستعينا في ذلك بقوله تعالى: {إن خير من استأجرت القوي الأمين}.

فالقوة: هي القدرة على القيام بالمهام الموكلة إلى الفرد وتشمل القوة الجسمية والعقلية وشتى أنواع القوة عموما.

والأمانة: هي الضمير المتوثب الذي يزجر الشخص عن الخيانة ويدفعه لبذل طاقته في سبيل القيام بما أوكل إليه من المهام على أحسن وجه.

ويقول ابن تيمية –رحمه الله- إنه يندر أن يتوفر في شخص واحد المعياران بدرجة عالية، ولكن الأمر هو عملية توازن بين هذين المعيارين، ويستدل على ذلك بقول عمر: [اللهم إليك أشكو جلد الفاجر وعجز الثقة].

ويقول ابن تيمية: إن المشكلة تكمن في تغليب أحد الجانبين في اختيار الشخص، ويرى أن الاهتمام بأي المعيارين، إنما يكون بما تحكمه طبيعة النشاط والوظيفة نفسها، فقد يحتاج العمل إلى جانب القوة أكثر منه إلى جانب الأمانة، وذلك مثل الحرب، وقد تكون إلى الأمانة في عمل، أكبر من الحاجة إلى القوة وذلك مثل القضاء وولاية الأموال.

5 - أما فيما يتعلق بأداء الأمانة في الأموال، فيرى أن المقصود بأداء الأمانة في الأموال أن يلتزم الحاكم بأداء الأموال وجبايتها من الموارد التي حددها الشارع، كما يلتزم صرفها في أوجه الصرف التي حددها الشارع أيضا، لأن الإسلام قد حدد موارد الأموال التي منها الزكاة، والفيء والغنائم والصدقات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015