الواضحة، لم يستطيعوا أن يحققوا شيئاً بسبب طبيعة الصهيونية الاستيطانية الإحلالية. فتمسُّك هؤلاء بالقيم الأخلاقية النبيلة لا يَصلُح كثيراً لتفسير الظاهرة المركبة، لكن هذا لا يعني إسقاط نوايا الفاعل أو توجهه الأخلاقي، وخصوصاً إذا كانت هذه النوايا حقيقية، والمهم ألا نخلط بينها وبين بنية الصراع.

ولنضرب مثلاً آخر على عدم جدوى استخدام مقولة «الاعتدال» لتفسير الظواهر. فمن المعروف أن الاعتدال الصهيوني اختلف من جيل إلى جيل، حتى أن المعتدلين الآن (بعد تآكل العرب) هم في واقع الأمر متطرفو الأمس. ولذا، فإن طالب العرب (على سبيل المثال) بقبول قرار تقسيم فلسطين الصادر عام 1948 كأساس لحل القضية الفلسطينية عام 1996، أو حتى بالانسحاب لحدود عام 1967، فإن مثل هذه المطالب يُعتبَر تطرفاً وتشدداً وإرهاباً. ويُطلَب من العرب بعد ذلك أن يُظهروا شيئاً من التسامح وأن يتنازلوا عن أوطانهم حتى يمكن وصفهم بالاعتدال!

أما الإنصاف، فيمكن أن أضرب مثلاً على انعدام قيمته التفسيرية من كتاب صدر عن اليهود والماسون في مصر وحاول مؤلفه أن يكون "منصفاً"، فبيَّن أنه ليس كل اليهود ماسوناً وليس كل الماسون يهوداً، وأن هناك قيادات وطنية مصرية لا شبهة في وطنيتها انضمت للحركة الماسونية وهناك قيادات أخرى لم تنضم. وقد وثَّق المؤلفُ كل هذا بمادة أرشيفية ممتازة دون أن يُفسِّر لنا شيئاً عن الماسونية أو عن الظواهر التي أشار لها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015