وقد استشكل البعض هذه الزيادة، مع أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير الأمم وأن المرجو أن يكونوا نصف أهل الجنة مع أنهم في سائر الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في الثور الأبيض حسبما صرحت به الأحاديث فكيف يتمشى هذا؟ لقد أجاب العلماء على هذا الإشكال ومنهم المحقق اليمني: صالح المقبلي (?) حيث ذكر أن البعض ضعَّف حديث افتراق الأمة بسبب الزيادة المشار عليها وتضعيفه لم يكن من جهة السند، وإنما من قبل استشكال معناه فقال: إن عامة المسلمين أكثرهم على رأي أهل السنة والجماعة، ولا يعرفون الآراء المبتدعة.

أما الخاصة فمنهم مبتدع يدعو إلى البدعة، وله أتباع ينصرون رأيه ويتوسعون فيه.

وهناك فئة من الناس يوافقونهم على البدعة في الظاهر، وإن كانوا في داخل أنفسهم يؤمنون بالحق.

وتوجد طائفة أخرى ليسوا من العلماء المحققين ولكنهم عرفوا أشياء من البدعة وحفظوا كثيرا من غثاء المذاهب والآراء وهم يخلطون الحق بالباطل، فهؤلاء ليسوا مثل الخاصة من العلماء ولم يدركوا سلامة العامة.

ثم قال: فالقسم الأول من الخاصة مبتدعة قطعاً.

والثاني: ظاهره الابتداع.

والثالث: له حكم الابتداع.

ثم قال: إن من الخاصة قسم رابع هم المتابعون للكتاب والسنة والواقفون عند حدودهما فهؤلاء هم السنية حقاً وهم الفرقة الناجية وإليهم العامة بأسرهم، ومن شاء ربك من أقسام الخاصة الثلاثة المذكورين بحسب علمه بقدر بدعتهم ونياتهم. إذا حققت جميع ما ذكرنا لك لم يلزمك السؤال المحذور، وهو الهلاك على معظم الأمة، لأن الأكثر عددا هم العامة قديما وحديثاً وكذا الخاصة في الأعصار المتقدمة، ولعل القسمين الأوسطين وكذا من خفت بدعته من الأول تنقذهم رحمة ربك من النظام في سلك الابتداع بحسب المجازاة الأخروية. ورحمة ربك أوسع لكل مسلم، لكنا تكلمنا على مقتضى الحديث ومصداقه وأن أفراد الفرق المبتدعة وإن كثرت الفرق فلعله لا يكون مجموع أفرادهم جزءاً من ألف جزء من سائر المسلمين (?).

قلت: وبهذه الإجابة يزول الإشكال، وعلى المسلم أن يكون حريصاً في التماس طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يحذر من دعاة الضلال وأرباب الفرق والطرق والجماعة المتحزبة التي اختارت ضيق الطريقة على سعة الإسلام، فدين الله عالمي لا طائفي ولا حزبي ولا طرقي.

وهذه الجماعات والطرق والأحزاب ضررها على المسلمين أكثر من نفعها، وقد حذر العلماء من الولوج فيها قديماً وحديثاً.

قال الإمام ابن حزم: واعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله على أيديهم خيراً، ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية، ولا رفع للإسلام راية، وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين، ويفرقون كلمة المؤمنين، ويسلون السيف على أهل الدين، ويسعون في الأرض مفسدين. ثم ختم تحذيره بنصيحة المسلمين فقال: فالله الله أيها المسلمون تحفظوا بدينكم ... الزموا القرآن وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما مضى عليه الصحابة رضي الله عنهم، والتابعون وأصحاب الحديث عصراً عصراً الذين طلبوا الأثر فلزموا الأثر، ودعوا كل محدثة فكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015