انْتَهَى.

وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يُخْلِيَهَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ سَوَاءٌ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ: وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَبُولِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ قَبِلَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْأَوَّلِ وَأَشْهَبَ عَلَى الثَّانِي قَالَ: وَسَوَاءٌ قَبِلَ لَفْظًا أَوْ جَاءَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَهُمْ مَا يُصْلِحُهُمْ وَالِاقْتِضَاءُ وَالْقَضَاءُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ قَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَأُخِذَ مِنْ تَعْلِيلِ أَشْهَبَ رُجُوعُهُ فِي الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْهُ فَأَلْزَمَهُ اللَّخْمِيُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ إنْ قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُغَيِّرْهُ انْتَهَى. وَذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ ابْنِ عَاتٍ عَنْ أَبِي وَرْدٍ قَالَ: إذَا كَانَ قَبُولُهُ فِي حَيَاةِ الْعَاهِدِ فَلَا يُخَلِّيهِ الْقَاضِي إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عُذْرٍ يُوجِبُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَبُولُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُخَلِّيَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا شَرْحٌ يَطُولُ وَهَذَا حَقِيقَةُ الْفِقْهِ فِي هَذَا الْفَصْلِ.

(قُلْت) هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهَا: إذَا قَبِلَ الْوَصِيُّ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَلَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَعَلَيْهِ سُئِلَ إذَا خَلَّى الْقَاضِي الْوَصِيَّ لِعُذْرٍ ثَبَتَ لَهُ وَكَانَ مَعَهُ فِي النَّظَرِ شَرِيكٌ هَلْ يَعْذِرُ إلَى شَرِيكِهِ فِيمَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الْعُذْرِ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَ قَبُولُهُ فِي حَيَاةِ الْعَاهِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْذَارِ إلَى شَرِيكِهِ ثُمَّ يَعْمَلُ بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَبُولُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْقَاضِي أَنْ يُعْقِبَهُ دُونَ عُذْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ لَا مُتَكَلَّمَ لِشَرِيكِهِ فِي ذَلِكَ، فَكَيْفَ يَعْذِرُ إلَيْهِ وَلَهُ أَيْضًا إذَا كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ مَنْ عَاقَهُ مِنْهَا عَائِقٌ فَالْبَاقِي مُنْفَرِدٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَلِّيَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يُخَلِّيَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَكَانَ قَوْلُهُ: " إلَّا أَنْ يُخَلِّيَهُ شَرِيكُهُ " مُعْتَرَضًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ شَرِيكَهُ لَا يُخَلِّيهِ إنَّمَا يُخَلِّيهِ الْمُوصِي بِشَرْطِهِ فِي وَصِيَّةِ مَنْ عَاقَهُ عَائِقٌ فَالْبَاقِي مُنْفَرِدٌ انْتَهَى.

ثُمَّ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ وَرْدٍ أَنَّ الْعُذْرَ لَا بُدَّ أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ مَانِعٌ لَهُ مِنْ الْقِيَامِ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِ فَلَا يَخُلُّ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَيَكُونُ الْعُذْرُ أَيْضًا طَارِئًا بَعْدَ الْقَبُولِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ حَالَ الْقَبُولِ فَلَا إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ فِيمَا أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِيهِ انْتَهَى.

وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا وَقَعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا وَهِيَ تَتَضَمَّنُ فَرْعًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُرْسِلَ الْيَتِيمَ إلَى غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَنَصُّهُ: " قَالَ وَسُئِلَ يَعْنِي مَالِكًا عَمَّنْ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَنَّ امْرَأَتَهُ أَوْلَى بِوَلَدِهَا مَا لَمْ تَنْكِحْ فَأَرَادَتْ امْرَأَتُهُ الْخُرُوجَ إلَى الْعِرَاقِ بِوَلَدِهَا مِنْهُ وَهُنَاكَ أَهْلُهَا فَقَالَ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ، فَقِيلَ: إنَّ لِوَلَدِهِ ثَمَّ دُيُونٌ قَالَ: مَا أَرَى ذَلِكَ لَهَا، قِيلَ: إذًا يَهْلِكَ دِيوَانُهُمْ، وَهُمْ صِغَارٌ قَالَ: هَذَا إنْ كَانَ هَكَذَا، فَلْيُنْظَرْ فِي ذَلِكَ لِلْيَتَامَى، فَإِنْ رَأَى وَلِيُّ الْيَتِيمِ أَنَّ لَهُمْ الْمُقَامَ أَقَامُوا، وَإِنْ رَأَى أَنَّ السَّيْرَ أَرْفَقُ بِهِمْ سَارُوا، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِلْأُمِّ أَنْ تَرْحَلَ بِوَلَدِهَا الَّذِي فِي حَضَانَتِهَا عَنْ بَلَدِ الْمُوصَى عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ أَوْصَى أَنَّهَا أَوْلَى بِوَلَدِهَا مَا لَمْ تَنْكِحْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَقِّهَا، وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَهَا بِهِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَغِيبُ بِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ عَنْ الْوَصِيِّ إلَّا أَنْ يَرَى ذَلِكَ الْوَصِيُّ أَوْ السُّلْطَانُ نَظَرًا لِلْأَيْتَامِ لِئَلَّا يَزُولَ بِمَغِيبِهِمْ اسْمُهُمْ عَنْ الدِّيوَانِ الَّذِي كَانَ يَرْتَزِقُ عَلَيْهِ أَبُوهُمْ فَتُدْرِكَهُمْ الضَّيْعَةُ انْتَهَى.

وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: جَوَازُ تَسْفِيرِ الْوَصِيِّ مَنْ فِي حِجْرِهِ لِمَصْلَحَةٍ وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي: وَإِنْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ بِمَالٍ فَذَلِكَ نَافِذٌ وَيُدْفَعُ ذَلِكَ إلَيْهِ لِيَحُجَّ بِهِ إذَا أَذِنَ السَّيِّدُ وَالْوَالِدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ أَبٌ فَأَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الصَّبِيِّ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَضَرَرٌ وَخِيفَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَيْعَةٌ فَلَا يَجُوزُ إذْنُهُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ قَوِيًّا عَلَى الذَّهَابِ وَكَانَ ذَلِكَ نَظَرًا لَهُ جَازَ إذْنُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ جَازَ وَلَوْ خَرَجَ فِي تِجَارَةٍ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ إذْنُهُ فِي الْحَجِّ عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي هَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَلِيُّهُ وَقَفَ الْمَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015