صَحِيحَةٍ، وَكَذَلِكَ مُشَارَكَةُ الْعَدُوِّ وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْهُومِ مِمَّا تَقَدَّمَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالُوا إنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُوَكَّلُ عَلَى مُسْلِمٍ فَهَلْ يَأْتِي هُنَا أَيْ فِي بَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ؟ قِيلَ: لَا يَبْعُدُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَنْبَغِي لِلْحَافِظِ لِدِينِهِ أَنْ يُشَارِكَ إلَّا أَهْلَ الدِّينِ، وَالْأَمَانَةِ، وَالتَّوَقِّي لِلْخِيَانَةِ، وَالرِّبَا، وَالتَّخْلِيطِ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا يُشَارِكُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا مُسْلِمًا فَاجِرًا إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، وَإِنَّمَا لِلْآخَرِ فِيهِ الْبَطْشُ وَالْعَمَلُ انْتَهَى.

وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (قُلْت) : وَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَقِفَا عَلَى كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ: وَيُسْتَشْكَلُ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ مَلْزُومَةٌ لِلْبَيْعِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي بَيْعِ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ شَيْئًا أَنْ لَا يَبِيعَهُ الذِّمِّيَّ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِ قَالَ: وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الشَّرِكَةِ مِنْ عَدَمِ غَيْبَتِهِ عَلَى الْبَيْعِ مُعْتَبَرٌ وُقُوعُهُ لَا أَنَّهُ شَرْطٌ، وَإِنْ سُلِّمَ اشْتِرَاطُهُ فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا لَا لِكَوْنِهِ مُبْتَاعًا انْتَهَى.

بِالْمَعْنَى (الثَّانِي) قَالَ بَعْضُهُمْ كَيْفَ أَجَازَ مَالِكٌ شَرِكَةَ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَغِيبَ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ وَمَنَعَ الشَّرِكَةَ إذَا شَرَطَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُمْسِكَ رَأْسَ الْمَالِ؟ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي مَسْأَلَةِ الذِّمِّيِّ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الذِّمِّيِّ لَمْ يَخْرُجْ الْمَالُ مِنْ يَدِهِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى (الثَّالِثُ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ: إلَّا لِمَانِعٍ أَيْ مِنْ الْمَوَانِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْحَجْرِ انْتَهَى.

وَلَيْسَ هَذَا مُرَادُهُ؛ لِأَنَّ مَوَانِعَ الْحَجْرِ قَدْ دَخَلَتْ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ: مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ أَنْ يُوَكِّلَ، أَوْ يَتَوَكَّلَ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ الْمَانِعُ الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ إثْرَهُ مِنْ كَوْنِ الْوَكِيلِ ذِمِّيًّا، وَمِنْ كَوْنِهِ عَدُوًّا لِلْمُوَكَّلِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فَرُبَّمَا يُوهِمُ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْحَجْرِ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَانِعِ فِي الْوَكَالَةِ فَتَأَمَّلْهُ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ إثْرَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ: وَفِيهَا لَا يُوَكَّلُ الذِّمِّيُّ إلَى آخِرِهِ لَمَّا اسْتَثْنَى الْمُؤَلِّفُ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَقَالَ إلَّا: لِمَانِعٍ احْتَاجَ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَانِعَ مَا هُوَ؟ إلَخْ كَلَامِهِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ كَلَامُ الذَّخِيرَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: الرُّكْنُ الْأَوَّلُ الْمُوَكِّلُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ نَحْوَ الْخَمْسَةِ أَسْطُرٍ ثُمَّ قَالَ: الرُّكْنُ الثَّانِي الْوَكِيلُ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: مَنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ لِنَفْسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَنُوبَ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ قَابِلًا لِلِاسْتِنَابَةِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ فَقَدْ مَنَعَ فِي الْكِتَابِ تَوْكِيلَ الذِّمِّيِّ إلَى آخِرِهِ.

(الرَّابِعُ) قَالَ فِيهَا: وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ، وَبَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ قَالَ اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ: إنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً، أَوْ شَابَّةً وَلَا تُبَاشِرُهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ مُحَادَثَةِ الشَّابَّةِ لِلرَّجُلِ يُتَّقَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ فَلَا بَأْسَ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يُرِيدُ وَاسِطَةً مَأْمُونَةً الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ الْهِنْدِيِّ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَا صَالِحَيْنِ مَشْهُورَيْنِ بِالْخَيْرِ وَالدِّينِ وَالْفَضْلِ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَوْ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ انْتَهَى.

(الْخَامِسُ) قَالَ فِيهَا: وَتَجُوزُ شَرِكَةُ الْعَبِيدِ إذَا أَذِنَ لَهُمْ فِي التِّجَارَةِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا لَهُ وَوُلِّيَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لَمْ يَضْمَنْ الْحُرُّ وَضِيعَةَ الْمَالِ وَلَا تَلَفَهُ، وَكَذَا إنْ وُلِّيَا مَعًا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَوَزَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنَابَهُ، وَأَغْلَقَا عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَنْفَرِدْ الْحُرُّ بِهَا، وَإِنْ انْفَرَدَ الْحُرُّ بِتَوَلِّي ذَلِكَ ضَمِنَ رَأْسَ الْمَالِ إنْ هَلَكَ وَخَسِرَ انْتَهَى.

فَإِنْ كَانَ عَبْدَيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ تَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا ضَمَانَ عَلَى الْعَبْدِ فِي ضَيَاعِ مَالِ الْحُرِّ، وَانْظُرْ لَوْ غَرَّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جِنَايَةٌ فِي رَقَبَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّادِسُ) اقْتَضَى كَلَامُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ تَوْكِيلَ الْمَحْجُورِ وَتَوَكُّلَهُ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي ذَلِكَ اضْطِرَابٌ، فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا لَهُ التَّوْكِيلَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بَلْ أُخِذَ بِجَوَازِ تَوْكِيلِهِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي وَفِي تَوْكِيلِهِ خِلَافٌ، وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015