إذَا أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِدَفْعِ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْمُرْتَهِنُ بِدَفْعِ الرَّهْنِ إلَى الرَّاهِنِ وَادَّعَى أَنَّهُ تَلِفَ لَهُ وَسَقَطَ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَوْلًا وَاحِدًا إذَا كَانَ قِيَامُهُ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ اهـ. وَقَالَ قَبْلَهُ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ إذَا طَالَ الْأَمْرُ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ اهـ. وَهَكَذَا نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَنَصُّهُ: " فِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَلَوْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ قَدْ أَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ رَهْنًا، ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَادَّعَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ الرَّهْنَ، وَلَمْ يُوفِهِ الْغَرِيمُ حَقَّهُ، وَقَالَ الْغَرِيمُ: لَمْ يَدْفَعْ لِي رَهْنِي إلَّا بَعْدَ قَبْضِهِ دَيْنَهُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: أَرَى أَنْ يَحْلِفَ الرَّاهِنُ، وَيَسْقُطَ عَنْهُ مَا ادَّعَى بِهِ رَبُّ الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَكُونَ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا مِنْ حَقِّهِ، وَقَالَ: دَفَعْت إلَيْهِ الرَّهْنَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَنِي بِحَقِّي فَلَمْ يَفْعَلْ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ خِلَافَ مَا فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ إذَا كَانَ قِيَامُهُ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ إذَا طَالَ الْأَمْرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْمُرْتَهِنُ بِدَفْعِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ وَادَّعَى أَنَّهُ تَلِفَ لَهُ، أَوْ سَقَطَ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ قَوْلًا وَاحِدًا إذَا كَانَ قِيَامُهُ عَلَيْهِ بِالْقُرْبِ اهـ. فَجَعَلَ الْخِلَافَ بَيْنَ سَحْنُونٍ وَقَوْلِ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِدَفْعِ الرَّهْنِ لَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُوَفِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابٌ الْمَجْنُونُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِلْإِفَاقَةِ]

ص (بَابٌ) (الْمَجْنُونُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِلْإِفَاقَةِ)

ش: عَقَّبَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّفْلِيسَ بِالْحَجْرِ تَكْمِيلًا لِبَيَانِ أَسْبَابِ الْحَجْرِ وَالْحَجْرُ مَصْدَرُ: حَجَرَ يَحْجُرُ وَيَحْجُرُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ لُغَةً حَصْرُ الْإِنْسَانِ وَالْمَنْعُ وَالْحَرَامُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} [الأنعام: 138] وَتُثَلَّثُ حَاؤُهُ فِي الْمَعَانِي الثَّلَاثِ قَالَهُ: فِي الْقَامُوسِ وَقُرِئَ بِهِنَّ فِي الْآيَةِ وَتَقُولُ الْكُفَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا رَأَوْا مَلَائِكَةَ الْعَذَابِ {حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] أَيْ حَرَامًا مُحَرَّمًا يَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُمْ كَمَا يَقُولُونَهُ فِي الدُّنْيَا لِمَنْ يَخَافُونَهُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ قَالَهُ فِي الصِّحَاحِ، وَذَكَرَ أَنَّ الْكَسْرَ فِي الْحَجْرِ بِمَعْنَى الْحَرَامِ أَفْصَحُ، وَالْحَجْرُ مُثَلَّثٌ أَيْضًا مَا بَيْنَ يَدَيْ الْإِنْسَانِ مِنْ ثَوْبِهِ قَالَهُ فِي الْمُحْكَمِ وَحَكَاهُ فِي الْقَامُوسِ بِالْكَسْرِ فَقَطْ، وَالْحِجْرُ يُطْلَقُ عَلَى الْعَقْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5] وَعَلَى حِجْرِ الْكَعْبَةِ الْمُدَارُ بِهَا مِنْ الْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ، وَكُلُّ مَا حَجَرْتَهُ مِنْ حَائِطٍ فَهُوَ حِجْرٌ، وَعَلَى دِيَارِ ثَمُودَ بِالشَّامِ عِنْدَ وَادِي الْقُرَى قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر: 80] وَعَلَى الْأُنْثَى مِنْ الْخَيْلِ، وَقَوْلُ الْعَامَّةِ: حُجْرَةٌ بِالْهَاءِ لَحْنٌ اهـ. بِالْمَعْنَى مِنْ الْقَامُوسِ وَالصِّحَاحِ وَهُوَ فِي الْجَمِيعِ بِمَعْنَى الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ يَمْنَعُ مِنْ الرَّذَائِلِ جَمِيعِهَا، وَالْحَائِطَ يَمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ إلَيْهِ، وَكَذَا دِيَارُ ثَمُودَ، وَالْأُنْثَى تَمْنَعُ صَاحِبَهَا مِنْ الْعَدْوِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا بِالْكَسْرِ عَلَى الْقَرَابَةِ، وَعَلَى فَرْجِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَالْحَجْرُ فِي الشَّرْعِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ، نَقَلَهُ عَنْ التَّنْبِيهَاتِ، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: مَنْعُ الْمَالِكِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَفِي الْجَمِيعِ إجْمَالٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ فِي الْحُدُودِ إذْ لَمْ يُبَيَّنْ هَلْ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِالتَّبَرُّعِ أَوْ بِالْمُعَاوَضَةِ وَهَلْ فِي الْكُلِّ، أَوْ فِي الْبَعْضِ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ مَنْعَ مَوْصُوفِهَا مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي الزَّائِدِ عَلَى قُوتِهِ، أَوْ تَبَرُّعِهِ بِمَالِهِ قَالَ: وَبِهِ دَخَلَ حَجْرُ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: مَالِهِ كُلِّ مَالِهِ لَمْ يَدْخُلْ الْحَجْرُ عَلَيْهِمَا فِي التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَكَانَ دُونَ الْمَالِ كُلِّهِ، وَإِنْ أَرَادَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَبَيِّنٌ فَسَادُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّهِ الْحَجْرُ عَلَى الْمَرْهُونِ فِي تَصَرُّفِهِ فِي الرَّهْنِ، وَمَنْ جَنَى عَبْدُهُ قَبْلَ أَنْ يَتَحَمَّلَ بِالْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ

[تَنْبِيهٌ أَسْبَابُ الْحَجَر]

(تَنْبِيهٌ) قَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015