ولا ريب أنَّ استحضار هذا المعنى ممَّا يهوِّن على العبد ما يمرُّ به من مُنغِّصات ومكدِّراتٍ، وأن يعلم أنَّ هذه الدار كما قال الشاعر:

جبلت على كدرٍ وأنت تريدها ... صفوًا من الأقذاء والأكدار

ومكلِّف الأيَّام ضدَّ طباعها ... متطلِّبٌ في الماء جذوة نار

إنَّ فقه حقيقة الحياة لَمِن أعظم الأدوية وأنجعها في تخفيف وطأة الهموم التي عصفت بملايين القلوب، حين عاشوا الدُّنيا على غير حقيقتها، وطلبوا منها ما لم يجعله الله فيها.

والحقيقة أنَّ الدُّنيا منذ خلقها الله هي الدُّنيا! وإنما الفرق هو في كيفية التعامل معها؛ ولهذا تجد أخوين شقيقين، عاشا في بيئةٍ واحدةٍ، وظروفٍ متشابهةٍ جدًّا، لكنَّ أحدهما سعيدٌ والآخر شقيٌّ، ومن أهمِّ الأسباب طريقة التعامل، وكيفية النظر لهذه الحياة، فمن فقه حقيقتها استراح، ومن غابت عنه الحقيقة تعب وتعنَّى.

ولابن مسعودٍ كلمةٌ أخرى في هذا السياق تجلِّي فقهه لهذه الحياة، فيقول: «ما أحدٌ أصبح في الدُّنيا إلا وهو ضيفٌ، وماله عاريَّةٌ، والضيف مرتحلٌ، والعاريَّة مردودةٌ» (?).

ويقول -أيضًا -: «ليس للمؤمن راحةٌ دون لقاء الله، فمن كانت راحته في لقاء الله، فكأن قد» (?).

ولِمَن لم يفقه حقيقة هذه الدُّنيا، أُهديه هذا الخبر الغريب، فقد ذكر ابن أبي الفيَّاض في (تاريخه) قال: أُخبرت أنَّه وُجد في تاريخ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015