السمعيات

مع أن هذا هو موضع مبحث السمعيات اللائق به؛ لأنه - بحسب الظاهر - كالاستدراك على موضوع مصدر التلقي عامة، فقد كنت أريد أن يكون هو أول مبحث من مباحث ذلك الموضوع، وهكذا كتبته في المسودة، وكان ذلك خشية أن تراود القارئ - وهو يقرأ المباحث السابقة - فكرة إثبات السمعيات عند الأشاعرة، فيظن أن النتائج التي وصل إليها هناك ليست نهائية مطلقة، بل مقيدة أو مخصصة بمسألة السمعيات، فأردت أن أقدمه لكي أستأصل هذه الشبهة سلفًا.

ثم آثرت أن أؤخر بحث هذا الموضوع إلى محله اللائق - وهو هنا - تاركًا للقارئ أن يستخلص الحكم النهائي بنفسه بعد طول أناة.

وتلك الفكرة التي خشيتها قد كانت في ذهني أنا من قبل، وهي - بحق - قائمةٌ في أذهان كثيرٍ من الباحثين، فقد كنت أحسب - كما هم يحسبون - أن إثبات الأشاعرة لما يسمونه السمعيات (أي العقائد الغيبية؛ كالجنة والنار، والميزان والصراط، وعذاب القبر، وكذلك رؤية المؤمنين لربهم تعالى ونحوها) هو خروجٌ عن أصولهم في مصدر التلقي، ورجوعٌ مطلقٌ إلى المصدر السمعي (الوحي)، وأن خطأهم فيها محصورٌ في التأصيل المنهجي لها، أعني قسمة الموارد إلى دائرة عقل ودائرة وحي.

ولهذا كنت أقبل قول من يقول: «إن الأشاعرة موافقون لأهل السنة والجماعة في السمعيات، مع مخالفتهم لهم في سائر أبواب العقيدة».

طور بواسطة نورين ميديا © 2015