الرابع: كيف نسوي بين القرآن الكريم الذي ورد ورودًا قطعيًّا، والسُّنَّة التي وردت ورودًا ظنيًّا، ونخصص بها عام الكتاب، أو نقيد مطلقه؟ 1

وقد تصدى كثير من الأئمة والعلماء -قديمًا وحديثًا- بالرد على منكري السُّنَّة وتفنيد مزاعمهم.. ونتخير من هذه الردود رد الإمام الشافعي، والعالِم الحجة ابن أبي حاتم الرازي.

أولًا: رد الإمام الشافعي

يعتبر رد الإمام الشافعي من أبلغ الردود وأبين المناقشات قديمًا. ومجمل رده ومناقشته لهم ينحصر فيما يلي2:

أولًا: أن الله تعالى نص في القرآن الكريم على السُّنَّة، وذلك في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2] ، ونحوه قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] فالعطف هنا على مغاير، فالكتاب غير الحكمة، ولا يُسلَّم للمعترضين أن الكتاب والحكمة لفظان يدلان على معنى واحد، وأن الحكمة هي الكتاب.

فهذا الاعتراض مدفوع بما جاء في آيات أخرى، نحو قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] ، فالحكمة هي السُّنَّة، وآيات الله هي القرآن الكريم، والمراد بالتلاوة القراءة، ولو صح قولهم لكانت الكلمات الثلاث "آياته، الكتاب، الحكمة" مترادفات، وهي جميعًا في آية واحدة، وهي قوله تعالى: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة: 129] والقول باشتمال آية واحدة على ثلاثة مترادفات غير معهود في الأسلوب القرآني، ويتنافى مع إيجاز القرآن وبلاغته3.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015