كَانَ هَذَا اللَّبَنُ فِي غَضَارةٍ، قَدْ وَقَعَتْ فَيهَ فَارَةٌ، فَنَحْنُ نَتَصَدَّقُ بِهِ على السَّيَّارَةِ، فَقالَ الإِسْكَنْدَرِيُّ: إِنَّا للهِ! وَأَخَذَ الصَّحْفَةَ فَكَسَرَهَا، فَصَاحَ الغُلاَمُ: وَاحَرَبَاهُ، وَامَحْرُوبَاهُ، فَاقْشَعَرَّتْ مِنَّا الجِلْدَةُ، وَانْقَلَبَتْ عَلَيْنَا المَعِدَةُ، وَنَفَضْنَا مَا كُنَّا أَكَلْنَاهُ، وَقُلْتُ: هَذا جَزَاءُ مَا بِالأَمْسِ فَعَلْنَاهُ، وَأَنْشأَ أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ يَقُولُ:
يَا نَفْسُ لاَ تَتَغَثَّى ... فَالشَّهْمُ لاَ يَتَغَثَّا
مَنْ يَصْحَبِ الدَّهْرِ يَأْكلْ ... فِيهِ سَمِيناً وَغَثَّا
فَالْبَسْ لِدَهْرٍ جَدِيداً ... وَالْبَسْ لآخَرَ رَثَّا