حديث "أنا عند حسن ظن عبد بي، وأنا معه إذا ذكرني"

أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يُوسُفَ: 26] {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرَّحْمَنِ: 60] وَلَمَّا ذُكِرَ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَمَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ النِّعَمِ وَصَفَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ جَزَاءَ إِحْسَانِهِمْ فَقَالَ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذَّارِيَاتِ: 16] ثُمَّ فَسَّرَ إِحْسَانَهُمْ {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذَّارِيَاتِ: 17-19] وَقَدَّمْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحُسْنَى الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُحْسِنِينَ هِيَ الْجَنَّةُ وَالزِّيَادَةُ هِيَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1. فَلَمَّا كَانُوا يَعْبُدُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدُّنْيَا عَلَى وَجْهِ الْحُضُورِ وَالْمُرَاقَبَةِ كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بِقُلُوبِهِمْ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فِي حَالِ عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ؛ كَانَ جَزَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْآخِرَةِ عِيَانًا بِأَبْصَارِهِمْ, وَعَكْسُ هَذَا مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ الْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَقَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [الْمُطَفِّفِينَ: 15] لَمَّا كَانَ حَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا التَّكْذِيبَ وَأَعْقَبَهُمْ ذَلِكَ التَّكْذِيبُ تَرَاكُمَ الرَّانِ عَلَى قُلُوبِهِمْ حَتَّى حُجِبَتْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَمُرَاقَبَتِهِ فِي الدُّنْيَا فَكَانَ جَزَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنْ حُجِبُوا عَنْ رُؤْيَتِهِ فِي الْآخِرَةِ, وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النَّجْمِ: 31] {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [الْبَقَرَةِ: 201] .

هَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْكَلَامِ عَلَى مُفْرَدَاتِ حَدِيثِ جِبْرِيلَ, وَقَدْ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ بَعْدَ كَلَامِهِ عَلَى مَرَاتِبِ الدِّينِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ, قَالَ: فَمَنْ تَأْمَّلَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ الْعَظِيمُ عَلِمَ أَنَّ جَمِيعَ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ, وَأَنَّ جَمِيعَ الْعُلَمَاءِ مِنْ فِرَقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا تَخْرُجُ عُلُومُهُمُ الَّتِي يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ, وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مُجْمَلًا وَمُفَصَّلًا, فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ إِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ فِي الْعِبَادَاتِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015