والآثار، ولأنها لم تكتب كما كتب القرآن في العصر الأول، بل كان اعتماد الصحابة فيها على حفظ الصدور، ثم تداولها من الطوائف حديثة العهد بالإسلام -وفيهم الكثير ممن كاد للإسلام وأهله عن طريق الدس في السنة والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم- ما وضع بعضًا من الأحاديث موضع الشك، وما جعل السنة في جملتها لا تحظى بالإجماع الذي حظي به القرآن الكريم، وأخيرًا لأن كل عناية بالسنة إنما هي في الواقع عناية بالقرآن؛ لأنها الشارحة له، والمبينة لما جاء فيه، فكل جهد يبذل في سبيل تنقيتها وتجليتها وتبويبها وتصنيفها، وتقديمها إلى الدارسين والعاملين في وضوح لا لبس معه هو جهد مبذول في الحقيقة للعناية بكتاب الله عز وجل.

من أجل هذا، ولإبراز دور مصر في خدمة السنة، وتقديرًا لجهود العلماء فيها على مدى الأجيال وتعاقب السنين استنهاضًا للهمم وشحذا للملكات رأيت أن أوجه عنايتي إلى دراسة السنة في مصر، ووقع اختياري على تلك الفترة التي حظيت دراستها فيما بنصيب كبير، وكان علماؤها الأعلام في مركز الصدارة لعلماء المسلمين في كل أنحاء الدنيا، لعل ذلك يكون حافزًا على دراسة السنة في كل بلد دخله الإسلام، وباعثًا على جعل دراستي هذه بداية لسلسلة من الدراسات يقوم بها المتخصصون في السنة في مسارها عبر القرون منذ عهد النبوة إلى وقتنا الحاضر.

ولعل ذلك أيضًا يكون دافعًا لأبناء هذا البلد العريق أن يصلوا حاضرهم بماضيهم في العناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينهضوا للدفاع عنه، ويعملوا على بعث الكنوز المدفونة والذخائر الموروثة منه بعد رقود طال أمده.

إن مصر التي احتضنت الإسلام وسعدت به، واستمتعت منه بدفء الإيمان وحرارة اليقين، فانتصرت به على أعدائها في الداخل والخارج ليسعدها اليوم أن تعاود الكرة من جديد، وأن تتحمس لإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي إحيائها لها حياة، وفي التشبث بها اعتصام بحبل الله القوي وشرعه القويم.

إلى هذه الغاية النبيلة نرمي من وراء هذه الدراسة، وإلى هذا الهدف العظيم نسعى بهذا البحث الذي نرجو أن يحقق الله به النفع لنا ولأمتنا في ديننا ودنيانا، وأن يجعله بداية لعديد من البحوث في السنة يقوم بها المتخصصون فيها، وغرسًا كريمًا نافعًا يؤتي ثماره الطيبة في المستقبل القريب بإذن الله، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وقد عرضت في هذا البحث بعض المجهودات التي بذلها سلفنا الصالح، وهي مجهودات نعتز بها، لما فيها من جهد طويل متتابع في خدمة السنة الغراء، وتوجيه نفوس القارئين إليها، وشغل أفكارهم بها، عسى أن أكون ممن شملهم وعد النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "من دعا إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015