آخَرَ: {لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ} [الْقَلَمِ: 49] فهل ما يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْبَذْ، قِيلَ: لَوْلَا هُنَاكَ يَرْجِعُ إِلَى الذَّمِّ، مَعْنَاهُ: لَوْلَا نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ، وَلَكِنْ تَدَارَكَهُ النِّعْمَةُ فَنُبِذَ وَهُوَ غير مذموم.

[147] {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ} [الصافات: 147] قَالَ قَتَادَةُ: أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ نِينَوَى مِنْ أَرْضِ الْمُوصِلِ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُ، وَقَوْلُهُ: (وَأَرْسَلْنَاهُ) أَيْ وَقَدْ أَرْسَلْنَاهُ، وَقِيلَ. كَانَ إِرْسَالُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بعد بَطْنِ الْحُوتِ إِلَيْهِمْ، وَقِيلَ: إِلَى قوم آخرين. {أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] قال مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ بَلْ يَزِيدُونَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: (أَوْ) هَاهُنَا عَلَى أصلها، ومعناه أو يزيدون على تدبركم وَظَنِّكُمْ، كَالرَّجُلِ يَرَى قَوْمًا فَيَقُولُ هَؤُلَاءِ أَلْفٌ أَوْ يَزِيدُونَ فَالشَّكُّ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَخْلُوقِينَ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ وَيَزِيدُونَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: «كَانُوا عِشْرِينَ أَلْفًا» ، وَرَوَاهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (?) وَقَالَ الْحَسَنُ: بِضْعًا وَثَلَاثِينَ أَلْفًا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: سبعين ألفا.

[148] {فَآمَنُوا} [الصافات: 148] يَعْنِي الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ يُونُسُ بَعْدَ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ، {فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات: 148] أي حين انقضاء آجالهم. وتقدم قبل ذلك في سورة يونس آية (98) .

[149] قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ} [الصافات: 149] فَاسْأَلْ يَا مُحَمَّدُ أَهْلَ مَكَّةَ وَهُوَ سُؤَالُ تَوْبِيخٍ، {أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} [الصافات: 149] وَذَلِكَ أَنْ جُهَيْنَةَ وَبَنِي سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الدَّارِ زَعَمُوا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عما يقول الظالمون علوا كبيرا، يَقُولُ: جَعَلُوا لِلَّهِ الْبَنَاتَ وَلِأَنْفُسِهِمِ الْبَنِينَ.

[150] {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا} [الصافات: 150] مَعْنَاهُ: أَخَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا، {وَهُمْ شَاهِدُونَ} [الصافات: 150] حَاضِرُونَ خَلْقَنَا إِيَّاهُمْ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزُّخْرُفِ: 19]

[151، 152] {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ} [الصافات: 151] مِنْ كَذِبِهِمْ، {لَيَقُولُونَ - وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الصافات: 151 - 152]

[153] {أَصْطَفَى} [الصافات: 153] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ (لَكَاذِبُونَ) ، (اصْطَفَى) مَوْصُولًا عَلَى الْخَبَرِ عَنْ قَوْلِ المشركين، وعند الوقف يبتديان: اصْطَفَى بِكَسْرِ الْأَلِفِ، وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِقَطْعِ الْأَلِفِ لِأَنَّهَا أَلِفُ اسْتِفْهَامٍ دَخَلَتْ عَلَى أَلِفِ الْوَصْلِ، فَحُذِفَتْ أَلِفُ الْوَصْلِ وَبَقِيَتْ أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ مفتوحة مقطوعة، مثل أستكبرت ونحوها، {الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ} [الصافات: 153]

[قوله تعالى مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ.] . .

[154] {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: 154] لِلَّهِ بِالْبَنَاتِ وَلَكُمْ بِالْبَنِينَ.

[155] {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الصافات: 155] أَفَلَا تَتَّعِظُونَ.

[156] {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} [الصافات: 156] بُرْهَانٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ ولدا.

[157] {فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} [الصافات: 157] الَّذِي لَكَمَ فِيهِ حُجَّةٌ، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الصافات: 157] فِي قَوْلِكُمْ.

[158] {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158] قال مجاهد وقتادة: وأراد بالجنة الملائكة سموا جنة لاجتنابهم عَنِ الْأَبْصَارِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَيٍّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ الْجِنُّ، وَمِنْهُمْ إِبْلِيسُ، قَالُوا: هُمْ بَنَاتُ اللَّهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالُوا -لَعَنَهُمُ اللَّهُ-: بَلْ تَزَوَّجَ مِنَ الْجِنِّ فَخَرَجَ مِنْهَا الْمَلَائِكَةُ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ زَعَمَ بَعْضُ قُرَيْشٍ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بنات اللَّهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّدِيقُ: فَمَنْ أُمَّهَاتُهُمْ؟ قَالُوا: سَرَوَاتُ الْجِنِّ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَى النَّسَبِ أَنَّهُمْ أَشْرَكُوا الشَّيَاطِينَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ} [الصافات: 158] يَعْنِي قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ، {لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 158] فِي النَّارِ ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا فَقَالَ:

[159، 160] {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ - إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 159 - 160] هذا استثناء من المحضرين يعني أنهم لا يحضرون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015