دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، وَجَعَلَ الْكَافِرِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} [الأنفال: 73] وَهُوَ أَنْ يَتَوَلَّى الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ دون المؤمن {وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73] فَالْفِتْنَةُ فِي الْأَرْضِ قُوَّةُ الْكُفْرِ، وَالْفَسَادُ الْكَبِيرُ ضَعْفُ الْإِسْلَامِ.
[74] {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 74] وَلَا رَيْبَ فِي إِيمَانِهِمْ. قِيلَ: حَقَّقُوا إِيمَانَهُمْ بِالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ وَبَذْلِ الْمَالَ فِي الدِّينِ، {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74] فِي الْجَنَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: أَيُّ مَعْنَى فِي تَكْرَارِ هَذِهِ الْآيَةِ؟ قِيلَ: الْمُهَاجِرُونَ كَانُوا عَلَى طَبَقَاتٍ فَكَانَ بَعْضُهُمْ أَهْلَ الْهِجْرَةِ الْأُولَى وَهُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَبَعْضُهُمْ أَهْلُ الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ وَهُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ قبل فتت مَكَّةَ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ ذَا هِجْرَتَيْنِ: هِجْرَةُ الْحَبَشَةِ وَالْهِجْرَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْأُولَى الْهِجْرَةُ الْأُولَى. وَمِنَ الثَّانِيَةِ الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ.
[75] قَوْلُهُ {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [الأنفال: 75] أَيْ: مَعَكُمْ، يُرِيدُ أَنْتُمْ مِنْهُمْ وَهُوَ مِنْكُمْ، {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75] وَهَذَا نَسَخَ التَّوَارُثَ بِالْهِجْرَةِ، وَرَدَّ الْمِيرَاثَ إِلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ. قَوْلُهُ: {فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] أَيْ: فِي حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقِيلَ: أَرَادَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْقُرْآنَ، يَعْنِي: الْقِسْمَةُ الَّتِي بَيَّنَهَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75]
[قَوْلُهُ تَعَالَى بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ] مِنَ الْمُشْرِكِينَ. . . .
(9) سُورَةُ التَّوْبَةِ قَالَ مُقَاتِلٌ: هَذِهِ السورة مدنية كلها إِلَّا آيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ سُورَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: هِيَ الْفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنْزِلُ فيهم حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا لَمْ تُبْقِ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا ذُكِرَ فِيهَا، قَالَ. قُلْتُ: سُورَةُ الْأَنْفَالِ؟ قَالَ: تِلْكَ سُورَةُ بَدْرٍ, قَالَ: قُلْتُ: سُورَةُ الْحَشْرِ؟ قَالَ: قُلْ سُورَةُ بني النضير.
[1] قَوْلُهُ تَعَالَى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 1] أَيْ: هَذِهِ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ. وَهِيَ مَصْدَرٌ كَالنَّشَاءَةِ وَالدَّنَاءَةِ.
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ كَانَ الْمُنَافِقُونَ يَرْجُفُونَ الْأَرَاجِيفَ، وَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَنْقُضُونَ عُهُودًا كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58] الآية. قَالَ الزَّجَّاجُ: بَرَاءَةٌ أَيْ: قَدْ برئ الله وَرَسُولُهُ مِنْ إِعْطَائِهِمُ الْعُهُودَ وَالْوَفَاءِ لَهُمْ بِهَا إِذَا نَكَثُوا, {إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] الْخِطَابُ مَعَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي عَاهَدَهُمْ وَعَاقَدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ وَأَصْحَابُهُ رَاضُونَ بِذَلِكَ, فَكَأَنَّهُمْ عَاقَدُوا، وعاهدوا