مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ. «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «الْقُلُوبُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الله يقلبها كيف شاء» (?) .

[25] {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} [الأنفال: 25] اختبارا وبلاء {لَا تُصِيبَنَّ} [الأنفال: 25] قوله: {لَا تُصِيبَنَّ} [الأنفال: 25] لَيْسَ بِجَزَاءٍ مَحْضٍ، وَلَوْ كَانَ جَزَاءً لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ النُّونُ، لَكِنَّهُ نَفْيٌ، وَفِيهِ طَرَفٌ مِنَ الْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} [النَّمْلُ: 18] وَتَقْدِيرُهُ: وَاتَّقُوا فِتْنَةً إِنْ لَمْ تَتَّقُوهَا أَصَابَتْكُمْ، فهو كقول القائل: انزل على الدابة لا تطرحك، ولا تَطْرَحَنَّكَ، فَهَذَا جَوَابُ الْأَمْرِ بِلَفْظِ النفي، مَعْنَاهُ إِنْ تَنْزِلْ لَا تَطْرَحْكَ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْنَاهُ: اتَّقُوا فِتْنَةً تُصِيبُ الظَّالِمَ وَغَيْرَ الظَّالِمِ. قَالَ الْحَسَنُ: نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قَالَ الزُّبَيْرُ: لَقَدْ قَرَأْنَا هَذِهِ الْآيَةَ زَمَانًا، وَمَا أَرَانَا مِنْ أَهْلِهَا، فَإِذَا نَحْنُ الْمَعْنِيُّونَ بِهَا، يَعْنِي مَا كَانَ يَوْمَ الْجَمَلِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ، وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: هَذَا فِي قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَتْهُمُ الْفِتْنَةُ يَوْمَ الْجَمَلِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُؤْمِنِينَ ألا يقروا المنكر بين أظهرهم، فيعمهما اللَّهُ بِعَذَابٍ يُصِيبُ الظَّالِمَ وَغَيْرَ الظالم. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ، فَلَا يُنْكِرُوهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ» (?) . وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَرَادَ بِالْفِتْنَةِ افْتِرَاقَ الْكَلِمَةِ ومخالفة بعضهم بعضا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. «سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مِنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» (?) قَوْلُهُ: {لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25] يَعْنِي الْعَذَابَ، {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25]

قوله تعالى واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في

[قَوْلُهُ تَعَالَى وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي] الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ. . . .

[26] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 26] يقول: اذكروا يا معاشر الْمُهَاجِرِينَ إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ فِي الْعَدَدِ مُسْتَضْعَفُونَ فِي أَرْضِ مَكَّةَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ {تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} [الأنفال: 26] يَذْهَبُ بِكُمُ النَّاسُ, يَعْنِي: كُفَّارَ مَكَّةَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كُفَّارُ الْعَرَبِ. وَقَالَ وَهْبٌ: فَارِسٌ وَالرُّومُ، {فَآوَاكُمْ} [الأنفال: 26] إلى المدينة، {وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ} [الأنفال: 26] أَيْ: قَوَّاكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِالْأَنْصَارِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قُوَّاكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بالملائكة، {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [الأنفال: 26] يَعْنِي: الْغَنَائِمَ أَحَلَّهَا لَكُمْ، وَلَمْ يُحِلَّهَا لِأَحَدٍ قَبْلَكُمْ، {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26]

[27] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [الأنفال: 27] قَالَ السُّدِّيُّ: كَانُوا يَسْمَعُونَ الشَّيْءَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُفْشُونَهُ، حَتَّى يَبْلُغَ الْمُشْرِكِينَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي أَبِي لُبَابَةَ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيَّ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم «لما حاصر يهود بني قريظة قالوا: أَرْسِلْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ، وَكَانَ مُنَاصِحًا لَهُمْ لِأَنَّ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَعِيَالَهُ كَانَتْ عِنْدَهُمْ، فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآتَاهُمْ فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ مَا تَرَى أَنَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ؟ فَأَشَارَ أَبُو لُبَابَةَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ أَنَّهُ الذَّبْحُ فَلَا تَفْعَلُوا، قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: وَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015