صَغِيرًا فَقِيرًا حِينَ مَاتَ أَبَوَاكَ وَلَمْ يُخَلِّفَا لَكَ مَالًا وَلَا مأوى، فجعل لك مأوى تأوي إليه، وضمك إِلَى عَمِّكَ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى أَحْسَنَ تَرْبِيَتَكَ وَكَفَاكَ الْمُؤْنَةَ.
[7] {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} [الضحى: 7] يَعْنِي ضَالًّا عَمًّا أَنْتَ عَلَيْهِ فَهَدَاكَ لِلتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ: قَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ كَيْسَانَ: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا) عَنْ مَعَالِمَ النُّبُوَّةِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ غافلا عنها، فهداك إليها، وَقِيلَ: ضَالًّا فِي شِعَابِ مَكَّةَ فَهَدَاكَ إِلَى جَدِّكَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
[8] {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] أَيْ فَقِيرًا فَأَغْنَاكَ بِمَالِ خَدِيجَةَ ثم بالغنائم، وقال مقاتل: فرضاك بِمَا أَعْطَاكَ مِنَ الرِّزْقِ وَاخْتَارَهُ الْفَرَّاءُ. وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ غَنِيًّا عَنْ كَثْرَةِ الْمَالِ وَلَكِنَّ اللَّهَ رضاه بِمَا آتَاهُ وَذَلِكَ حَقِيقَةُ الْغِنَى. ثُمَّ أَوْصَاهُ بِالْيَتَامَى وَالْفُقَرَاءِ.
[9] فَقَالَ: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9] قال مجاهد: لا تحتقر الْيَتِيمَ فَقَدْ كُنْتَ يَتِيمًا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: لَا تَقْهَرْهُ عَلَى مَالِهِ فَتَذْهَبَ بِحَقِّهِ لِضَعْفِهِ، وَكَذَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ فِي أَمْرِ الْيَتَامَى، تَأْخُذُ أَمْوَالَهُمْ وَتَظْلِمُهُمْ حُقُوقَهُمْ.
[10] {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى: 10] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يُرِيدُ السَّائِلَ عَلَى الْبَابِ، يَقُولُ: لَا تَنْهَرْهُ لَا تَزْجُرْهُ إِذَا سَأَلَكَ، فَقَدْ كُنْتَ فَقِيرًا فَإِمَّا أَنْ تُطْعِمَهُ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّهُ رَدًّا لَيِّنًا، يُقَالُ: نَهَرَهُ وَانْتَهَرَهُ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ بِكَلَامٍ يزجره. قال قَتَادَةُ: رُدَّ السَّائِلَ بِرَحْمَةٍ وَلِينٍ، وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: (أَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) ، قَالَ: طَالِبُ الْعِلْمِ.
[11] {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] قال مجاهد: يعني النبوة، وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي الْقُرْآنَ وَهُوَ قَوْلُ الْكَلْبِيِّ، أَمْرَهُ أن يقرأه، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: اشْكُرْ لِمَا ذُكِرَ مِنَ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ جَبْرِ الْيَتِيمِ وَالْهُدَى بعض الضَّلَالَةِ وَالْإِغْنَاءِ بَعْدَ الْعَيْلَةِ، وَالتَّحَدُّثِ بنعمة الله شكرا.
(94) سورة الشرح [1] {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] أَلَمْ نَفْتَحْ وَنُوَسِّعْ وَنُلَيِّنْ لَكَ قَلْبَكَ بِالْإِيمَانِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ؟
{وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} [الشرح: 2] قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: حططنا عَنْكَ الَّذِي سَلَفَ مِنْكَ فِي الجاهلية، وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: يَعْنِي الْخَطَأَ وَالسَّهْوَ. وَقِيلَ: ذُنُوبُ أُمَّتِكَ فأضافها إليه لاشتغال قلبه بهم.
[3] {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح: 3] أَثْقَلَ ظَهْرَكَ فَأَوْهَنَهُ حَتَّى سُمِعَ له نقيض أي صوت. وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى وَأَبُو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي خَفَّفْنَا عَنْكَ أعباء النبوة والقيام بأمرها.