قَدْ نِلْتَ مِنْ شَرْخِ الشَّبابِ وَسُكْرِهِ ... وَلَقَدْ رَأَيْتَ الشّيْبَ كَيْفَ نَعاكا

لنْ تَستَريحَ مِنَ التَّعَبُّدِ لِلْمُنى ... حَتَّى تُقَطِّعَ بالعْزاءِ مَناكا

وبَّخْتَ عَبْدَكَ بالْعَمى فأفَدْتَهُ ... بَصَرًا وأنتَ مُحَسِّنٌ لِعَمَاكا

كَفَتِيلَةِ الْمِصْباحِ تُحْرقُ نَفْسَها ... وتُنيرُ واقِدَها وأنتَ كَذاكا

ومِنَ السَّعادَةِ أَنْ تَعفَّ عَنِ الْخَنا ... وتُنيلَ خَيْرَكَ أوْ تَكُفَّ أذاكا

وقال:

أيا جامعي الدنيا لمن تجمعونها

أَيَا جامِعِي الدُّنْيا لِمَنْ تَجْمَعُونَها ... وتَبنُونَ فيها الدُّورَ لا تَسْكُنونَها

وَكمْ مِنْ مُلوكٍ قَدْ رَأَيْنا تَحَصَّنَتْ ... فَعَطَّلَتِ الأيّامُ مِنْها حُصُونَها

وَكَمْ مِنْ ظُنونٍ لِلنُّفوسِ كَثيرَةٍ ... فَكَذَّبَتِ الأَحْداثُ مِنْها ظُنونَها

وَإنَّ الْعُيونَ قَدْ تَرى غَيْرَ أَنَّهُ ... كَأنَّ الْقُلوبَ لمْ تصَدِّقْ عُيونَها

أَلاَ رُبّ آمالٍ إذا قيلَ قَدْ دَنَتْ ... رَأَيْتَ صُروفَ الدَّهْرِ قَدْ حُلْنَ دُونَها

أَيا آمِنَ الأيّامِ مُسْتَأْنِسًا بِهِا ... كَأَنَّكَ قَدْ وَاجَهْتَ مِنْها خَؤٌونَها

لَعَمْرُكَ ما تَنْفَكُّ تَهْدي جَنازَةً ... إِلى عَسْكَرِ الأَمْواتٍ حَتّى تَكونَها

ذَوِي الودِّ مِنْ أهْلِ الْقُبورِ عَلَيْكمُ ... سَلامٌ أَمَا مِنْ دَعْوَةٍ تَسْمَعُونَها

سَكَنْتُمْ ظُهورَ الأَرْضِ حِينًا بِنَضْرَةٍ ... فمَا لَبِثَتْ حَتّى سَكَنْتُمْ بُطونَها

وَكُنْتُمْ أُناسًا مِثْلَنا في سَبيلِنا ... تَضِنُّونَ بِالدُّنْيا وَتَسْتَحْسِنُونَها

وَما زَالَتِ الدُّنْيا مَحَلّ تَرَحُّل ... تَجُوسُ الْمَنايا سَهْلَها وحُزُونْهَا

وَلِلنَّاسِ آجالٌ قِصارٌ سَتَنْقَضي ... وَلِلنَّاسِ أرْزاقٌ سَيَسْتَكْملونَها

وقال رحمه الله:

بليت وما تبلى ثياب صباكا

بَلِيْتَ ومَا تَبْلَى ثِيَابُ صِبَاكَا ... كَفَاكَ مِنَ اللَّهْوِ المُضِرِّ كَفَاكَا

ألَمْ تَرَ أَنَّ الشَّيْبَ قَدْ قامَ ناعِيًا ... مَقامَ الشَّبابِ الْغَضِّ ثُم نَعاكا

تَسَمَّعْ وَدَعْ مَنْ أَغْلَقَ الْغَيّ سَمْعَهُ ... كأني بِداعٍ قَدْ أتى فَدَعاكا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015