حضارة العرب في الأندلس

الرسالة الأولى من الإسكندرية إلى المرية

وهذه الجزيرة جِدُّ خصيبةٍ وكلأها لا ينقطع في صيف ولا شتاء وهي كثيرة الأمواه والعيون والفواكه والأرزاق. وجبالها كلها مثمرة بالتفاح والشاه بلّوط والبندق والأجاص. ومنها يجلب الجوز والقسطل إلى بلاد إفريقية ويجلب منها كثير من القطن - وفيها معادن الذهب والفضة والنحاس والرصاص والزيبق - وهي مستبحرة العمران كثيرة المدن والقرى والضياع فقد أخبرني ثَبَت ثقة أن بهذه الجزيرة مائة وثلاثين بلداً بين مدينة وقلعة عدا ما فيها من الضياع والمنازل والبقاع - وكلها مسكونة بالمسلمين ملأى بالمساجد والفنادق والحمامات. وفيها من العلماء والفلاسفة والأدباء، ما لا يكاد يدركه العد والإحصاء - ومن مشهور مدائنها مدينة بلَزْم قصبة هذه الجزيرة وسيأتي القول عليها مفصلاً عند ذكر وصولنا إليها إن شاء الله. وبين مدينة بلزم هذه ومدينة مسيني توجد المدن الآتية واقعة على ساحل البحر غربي هذه الجزيرة وهي مدينة ثرمة وليبري وبقطش وجفلوذ والقارونية وقلعة القوارب وميلاص وجطين وشنت ماركو. وسنصفها لدى ذكر مرورنا بها - وبين مسيني وبارم على سيف البحر شرقي الجزيرة وجنوبيها تقع البلدان الآتية. على الترتيب الآتي هكذا. مدينة طبرمين بشرقي مدينة مسيني على مرحلة منها وهي مدينة أزلية قديمة من أشراف البلاد وأعيانها، وقلعة حصينة من أصول القلاع وأركانها، وهي على جبل مطل على البحر يسمى جبل الطور وفيها كما حدثني أبو عبد الله الصقلي الفيلسوف ملعب من ملاعب الروم القديمة كأنه: زعم أبو عبد الله: شِعب بوّان الذي يقول فيه أبو الطيب المتنبي:

مغاني الشعب طيبا في المغاني ... بمنزلة الربيع من الزمان

ملاعب جِنة لوسار فيها ... سليمان لسار بترجمان

طَبَت فرساننا والخيل حتى ... خشيتُ وإن كرمن من الحران

غدونا تنفض الأغصان فيه ... على أعرافها مثل الجمان

فسرت وقد حجبن الشمس عني ... وجئن من الضيا بما كفاني

وألقى الشرق منها في ثيابي ... دنانيراً تفر من البنان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015