يزال يخور بمقدار ما يشتد في أمره ثم لا يصيب من وجه الأمر إلا ما يضل في مجاهله فيكون قد تأتي من سبيل الثقة إلى الغرور ومن سبيل الغرور إلى الباطل وكبر ذلك مقتاً وساء سبيلا.

وأما الأخرى من تلك الخصال فأن الرأي متى تماسك بما يجم حوله ويلتقي إليه ويستمر عليه من الخواطر فأنه سيكون منه عقد (اعتقاد) يخرج عن أن يكون رأياً موضوعاً، إلى أن يصير وحياً مرفوعاً، ويكبر عن أن يكون مضطرباً في العقل بين الحجج والبراهين، فينحدر إلى القلب عند مستقر العاطفة والدين، ثم لا يكون من هذا إلا ما تراه في كل جاهل من الرأي يصدره شرعاً معصوماً لا يزيغ عنه الزائغ إلا بخذلان من الله. . . فأن هو لم يتبع عليه ولم يتشيع له فيه أحد كان هذا الجاهل نبي نفسه لا يبالي ما ترك الناس مما اتبع ولا ما اتبعوا مما ترك.

وتلك خصال في نسق واحد وعلى نظم مطرد لا هوادة بين أولها وآخرها فهي وإن تعددت إلا أنها كما يتعدد الموج تنتصب منه أشباه الجبال ثم لا يستند منها الغريق إلا إلى الماء الذي يغرق فيه وهذا تفسير القول إن الجهل على استواء واحد في نظر أهله.

لا جرم كان العنت كل العنت والبلاء كل البلاء أن تفهم من لم يستجمع أداة الفهم لما تلقى إليه وأن تناظر صاحب الرأي وليس له مما قبلك ألا أنه يرى وألا أنك تدفع فإن الحجة في مثل هذا وإن وضحت واستبانت بيد أنها لا تصيب من غرض يستهدف لها وإنما تستعرض ما يستعرض السهم من الهواء يمر فيه منطلقاً لا يلتوي فمهما نلت من ذلك لا تنال سبباً إلى الإقناع وليس لك بعد إلا أن تطيب نفساً عن نتيجة أنت فرغت من مقدماتها، وترتد عن غاية كنت في ظل قصباتها، لأن الحجج لا تنتهي إلى الحق إلا إذا كانت متكافئة فهي تختلف متدابرة ولكنها متى تواجهت وأخذت كل حجة برقبة الأخرى فاختصمت ثم ارتفعت إلى العقل قضى بينها وكشف القناع عن وجه الإقناع. أما الحجة الواهية التي لا يسد منها علم ولا تنهض في جانب اطلاع فهذه تظل مدبرة وإنما قوتها في إدبارها ولياذها بكل منطلق فأنت تجد في كل الناس إلا في صاحبها مقنعاً ومعدلاً وما أن تزال معه في إدبار ثم لا تزال مقبلاً منه على مدبر عنك حتى تنكص عنه غالباً كمغلوب، وتنقلب طالباً كمطلوب. وأنا لا أدري ولا جرم ما الذي زيَّنَ لفلان من الناس أن يكون صاحب رأي في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015