فلما رأى ذلك منذر بن سعيد - وكان ممن حضر في زمرة الفقهاء - قام من ذاته بدرجة من مرقاته فوصل افتتاح أبي علي لأ ول خطبته بكلام عجيب، ونادى من الإحسان في ذلك المقام كل مجيب، يسحه سحا كأنما كان يحفظه قبل ذلك بمدة وبدا من المكان الذي انتهى إليه أبو علي البغدادي فقال أما بعد حمد الله والثناء عليه والتعداد لآلائه والشكر لنعمائه والصلاة والسلام على محمد صفيه وخاتم أنبياءه فإن لكل حادثة مقام ولكل مقام مقال وليس بعد الحق إلا الظلال وإني قد قمت في مقام كريم بين يدي ملك عظيم فاصغوا إلى معشر الملأ بأسماعكم وألقنوا أعني بأفئدتكم، إن من الحق أن يقال للمحق صدقت وللمبطل كذبت وإن الجليل تعالى في سماءه وتقدس بصفاته وأسماءه أمر كليمه موسى صلى الله على نبينا وعليه وعلى جميع الأنبياء وأن يذكر قومه بأيام الله جل وعز عندهم، وفيه وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة وإني أذكركم بأيام الله عندكم وتلا فيه لكم بخلافة أمير المؤمنين التي لمت شعثكم وأمنت سربكم ورفعت قوتكم بعد أن كنتم قليلا فكثركم ومستضعفين فقواكم ومستذلين فنصركم ولاه الله رعايتكم وأسند إليه إمامتكم أيام ضربت الفتنة سرادقها على الآفاق وأحاطت بكم شعل النفاق حتى صرتم في مثل حدقة البعير من ضيق الحال ونكد العيش والتغيير فاستبدلتم بخلافته من الشدة بالرخا وانتقلتم بيمن سياسته إلى تمهيد كنف العافية بعد استيطان البلاء، أنشدكم بالله مع معاشر الملأ ألم تكن الدماء مسفوكة فحقنها والسبل مخوفة فأمنها والأموال منتهبة فأحرزها وحصنها ألم تكن البلاد خرابا فعمرها وثغور المسلمين مهتضمة فحماها ونصرها. فاذكروا آلاء الله عليكم بخلافته وتلا فيه جمع كلمتكم بعد افتراقها بأمامته حتى أذهب الله عنكم غيضكم وشفى صدوركم وصرتم يدا على عدوكم بعد أن كان بأسكم بينكم فأنشدكم الله ألم تكن خلافته قفل الفتنة بعد انطلاقها من عقالها ألم يتلاف صلاح الأمور بنفسه بعد اضطراب أحوالها ولم يكن ذلك إلى القواد والأجناد حتى باشره بالقوة والمهجة والأولاد واعتزل النسوان وهجر الأوطان ورفض الدعة وهي محبوبة وترك الركون إلى الراحة وهي مطلوبة بطوية صحيحة وعزيمة صريحة وبصيرة ثابتة نافذة ثاقبة وريح هابة غالبة ونصرة من الله واقعة واجبة وسلطان قاهر وجد ظاهر وسيف منصور تحت عدل مشهور متحملا للنصب مستقلا لما ناه في جانب الله من التعب حتى لانت الأحوال بعد شدتها وانكسرت شوكة الفتنة عند حدتها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015