روسي أن يقف على درجة من درجاتها إذا أراد أن يكون له شأن في الدنيا والتشين على أي حال لم يبقى نظاما خاصا بروسيا فقد تخطاها إلى غيرها. فقد نصبت تلك المرقاة في ألمانيا ورأى العالم إذ ذاك منظرا عجبا - رأى أرقى أمم الحضارة وأقوى شعب على سطح الغبراء يمضي حياته كضفدع الأشجار في تسلق جدي رزين لدرجة تلك المرقاة وأصبح نموالفرد لا من الداخل للخارج كما يحدث في الجسم العضوي الممتلئ بالحياة ولكن بإضافة خارجية كما في الأحجار الجامدة العديمة الحركة والحكومة هي التي تزيد بعض القراريط الجديدة للطول الطبيعي للفرد وهي لا تزيد هذا الطول من ناحية رفع المستوى الأخلاقي وإنما تزيده من ناحية اللقب بتمديده ومطه وكلما فقدت الشخصية صفة اكتسب اللقب نعتاً وكلما ازداد الطبع انتكاسا والفطرة تلويثا أخذت الأوسمة تزداد في الصدر تألقاً ولمعاناً.

وويل لمن يحاول أن يستجر نفسه ويفر بها من تلك العبودية التي يقاد إليها بالرغبة فإن هذا يعتبر كالذئب بين الكلاب أولا اعتبار له على الإطلاق ويحكى في الخرافات عن عش عصفور من يحمله يصبح خافيا على الأنظار وتأثير اللقب يناقض تأثير هذا العش فإن الشخص لا يصير مرموقا بالأبصار إلا إذا حمل لقبا وما دام لا يحمله فهومهمل وخيال لا يحس به في المجتمع وفي حال كهذه ترى الرجل الذي لخضوعه لقانون النموالداخلي قد نما إلى فردية بارزة ينبغي أن تقدر وتوزن بمعيار خاص بها ولا تفهم أصوليتها ويدرك سر جمالها إلا وهي طليقة من تلك الزيادات الخارجية المصطنعة التي من شأنها طمس معالمها وتشويه منظرها - رجل كذلك يختفي وراء كومة تلك الألاعيب الكركوزية حملة الكساوي والرتب والنياشين والتي تشغل المناصب الكبرى في دور الحكومة.

جاء في بعض النوادر أن طفلا قال أنه لم يعلم إن كان الأطفال الذين رآهم يستحمون صبية أوبناتاً لأن ملابسهم لم تكن عليهم وأرى أن المجتمعات تنظر بنظرة ذلك الطفل وتفكر تفكيره فهي لا تعرف الرجل إلا إذا ظهر لها في كسوته التامة مع الألقاب والرتب وهذه الفكرة ترغم كل إنسان له رغبة في أن يرتفع شأنه بين مواطنيه على أن يهجر طريقه الطبيعي للنموويلتحق بتلك الجماعة التي تزحف إلى الأمام بخطوات بليدة متوانية في ذلك الدرب الذي مهدته لها الحكومة وأحاطته بالحرس من شماله ويمينه وهذا يدخل في رأس الفرد أن حياته الأصلية التي منحتها له الطبيعة لا تعد شيء وإنه لكي ينال وجوده الحقيقي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015