عن كل ما يحب الحياة إلى الآخر يجعل لها قيمة ووزناً. فأما نحن فغافلون عن فرط لذة العظام تحت الأسوار والجدران وعن روائح الأشجار وعمدان المصابيح وأما هم أعني الكلاب فغافلون عن ملاذ الكتب والقراءة والمباحث الفلسفية والفنون الجميلة. فأنت إذا جلست مكباً على قراءة أمتع ما صادفت من الروايات والقصص ترى ماذا يكون رأى كلبك في سلوكك نحوه إذ ذاك وما ترى حكمة على خطتك معه وموقفك إزاءه إما أنه مع ملية إليك وعطفه عليك فإن منه حالتك إذ ذاك ومعنى سلوكك يكون مما يقع وراء دائرة فهمه ودون نطاق إدراكه. ما معنى جلوسك كالتمثال أو الصنم فاقد الحس والشعور معدوم الحركة في حين كان الواجب عليك والمتوقع منك أن تخرج به للتنزه في الغابات لملاعبته ومداعبته تقذف العصى والعيدان في الماء ثم تأمره بالتقاطها وهلم جرّا!

ما معنى هذا المرض العجيب الذي ينتابك كل يوم في ساعة مخصوصة - مرض تناول الأشياء وإمساكها بين يديك وإدامة النظر إليها الساعات المتوالية وأنت ثناء ذلك فاقد الحركة مسلوب الحس قد زال عنك كل دليل على أنك حي ذو روح.

إن همج أفريقيا كانوا أقرب إلى الحقيقة من هذا الكلب الذي لا يفهم أدنى شيء من حقيقة حال صاحبه وهو مكب على القراءة، حين ازدحموا متعجبين حول أحد سياح الأمريكان وقد ظفر بعدد من جريدة الأميركان أدفر تيراز وأكب عليها يلتهم سطورها. وذلك أنه ما كاد يفرغ منها حتى أقبل عليه أولئك الهمج المتوحشون فأخذوا يسامونه في هذا العدد من الجريدة المذكورة وعرضوا عليه ثمناً غالياً جداً في ذلك الشيء الغريب المجهول.

فلما سألهم فيم ولوعهم بهذا الشيء ولم يطلبونه قالوا إنما نريده دواء للهين إذ م يستطيعوا أن يؤولوا إلا على هذا الوجه معنى ذلك الحمام البصري، البطيء الذي أعطاه ذلك الأمريكي لعينه على سطح ذلك الشيء (أي على صفحات الجريدة).

والواقع أن كل عمل من أعمال الحياة يبعث في الإنسان فرط الاشتياق إلى مزاولته وشدة الرغبة في إنجازه وإدراك غايته وكل أسلوب من العيشة يكون مشفوعاً بتوقد الحركة وجيشان الهمة وتحفز العزيمة وبالولوع والتطلع والتشوق والتلهف فهذا هو الذي يكون ذا أهمية وقيمة - وهذا التطلع والولوع والتلهف قد يكون متصلاً بالحواس أو بالنشاط العضلي والعصبي أو بالمخيلة أو بمملكة التأمل والتفكر - وعلى كل حال فهو حيثما يوجد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015